
في خطوة أثارت اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية، وجّه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رسالة جديدة إلى المملكة العربية السعودية، حملت في طياتها إشارات مزدوجة بين الدبلوماسية والمصالح المشتركة. جاءت هذه الرسالة في ظرف عالمي حساس يشهد تحولات اقتصادية كبرى، وسباقاً محموماً على النفوذ في الشرق الأوسط، وسط إعادة تشكيل التوازنات بين واشنطن والرياض بعد سنوات من التوتر والبراغماتية المتبادلة.
ترامب، المعروف بأسلوبه المباشر وابتعاده عن الصياغات الدبلوماسية التقليدية، أشار إلى “ضرورة الحفاظ على متانة الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية”، مؤكداً أنّ المملكة كانت “ولا تزال حليفاً محورياً في حفظ الاستقرار الإقليمي ومحاربة الإرهاب”، على حدّ تعبيره. هذه العبارات، وإن بدت مألوفة، فإنها تأتي في سياقٍ يختلف جذرياً عن فترة رئاسته الأولى، إذ تعيش المنطقة اليوم تحولات نوعية، سواء على مستوى إعادة رسم خريطة النفوذ بعد الحرب في غزة، أو في ظل التوجه السعودي نحو تنويع تحالفاتها الدولية والانفتاح على الصين وروسيا.
ويرى مراقبون أنّ رسالة ترامب ليست مجرّد تذكير بالتحالف التاريخي، بل هي محاولة ذكية لإعادة وصل الخيوط السياسية مع الرياض استعداداً لاستحقاقات الانتخابات الأمريكية المقبلة، خاصة وأنّ السعودية تمثل ثقلاً محورياً في سوق الطاقة العالمي، ولها تأثير مباشر على استقرار الأسعار، وهو عامل حاسم في المزاج الانتخابي الأمريكي. كما أنّ الرسالة قد تُقرأ ضمن محاولات ترامب لاستعادة ثقة الحلفاء التقليديين بعد سنوات من الخطاب الانعزالي الذي ميّز حقبته السابقة.
وفي المقابل، تلقّت الأوساط السعودية الرسالة بقدر من التحفّظ، معتبرة أنّ العلاقات بين البلدين تجاوزت مرحلة “الوصاية السياسية”، وأنّ الرياض اليوم تتعامل بندّية أكبر مع واشنطن، وفق مصالحها الاستراتيجية الخاصة، التي تتضمن الانفتاح على مبادرات جديدة من موسكو وبكين، إضافة إلى تعزيز مشروع “رؤية 2030” الذي جعل من السعودية لاعباً اقتصادياً عالمياً لا يُختزل في البعد النفطي وحده.
الرسالة، في جوهرها، تبدو محاولة لاستعادة دفء العلاقة مع أحد أهم مراكز القرار العربي والإسلامي، غير أنّ السعودية الحديثة – كما يرى الخبراء – لم تعد تنصت فقط للغة الوعود، بل تقيّم الشراكات بميزان المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل للسيادة. وهنا يبرز سؤال المستقبل: هل يسعى ترامب إلى استعادة مكانته الدولية عبر البوابة السعودية؟ أم أنّ المملكة ماضية في نهجها الاستقلالي الذي يجعلها صاحبة الكلمة الأخيرة في سياساتها وتحالفاتها؟
ما بين رغبة واشنطن في استعادة تأثيرها التقليدي في الخليج، وحرص الرياض على صياغة معادلة جديدة في علاقاتها الدولية، تظل الرسائل المتبادلة مؤشراً على أن المنطقة مقبلة على مرحلة إعادة توازن دقيق، عنوانها الأساسي “الندية بدل التبعية”، والتفاهم القائم على المصالح لا الإملاءات.











