
أبراهام السرفاتي، أحد أبرز الشخصيات المغربية في القرن العشرين، يعد رمزًا للنضال السياسي والاجتماعي في البلاد. وُلد في الدار البيضاء عام 1926 لعائلة يهودية مغربية، وكان منذ صغره مفعمًا بالروح الوطنية والعدالة الاجتماعية. رغم انتمائه لعائلة يهودية، فإن اهتماماته السياسية كانت تتجاوز الدين والعرق، بل كانت محورها الأساسي القضايا الوطنية والتطلعات لتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع المغربي.
انخرط السرفاتي في الحركة الوطنية المغربية التي كانت تسعى للاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، ووجد في الفكر الاشتراكي والماركسي سبلًا لتحقيق أهدافه السياسية والاجتماعية. على الرغم من أصوله العرقية، اختار السرفاتي الوقوف إلى جانب الأغلبية الشعبية من المغاربة الذين كانوا يعانون من الهيمنة الاستعمارية والطبقات الحاكمة المرتبطة بها. بعد انتقاله إلى باريس في الأربعينات لمتابعة دراسته في السوربون، تعمق في الفكر الثوري الذي كان منتشرًا في تلك الفترة، مما عزز موقفه السياسي وأثر في مسيرته المستقبلية.
في تلك الفترة، بدأ السرفاتي بنشاطاته السياسية المكثفة ضد الاستعمار الفرنسي. فقد انضم إلى الحزب الشيوعي المغربي الذي كان يدعو لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بشكل عادل، كما كان من المدافعين عن حقوق الطبقات العاملة والفلاحين. وعاش في مناخ سياسي مفعم بالثورات والمطالبة بالاستقلال في العديد من البلدان المستعمَرة، ما جعله يعزز قناعاته ويواصل نضاله ضد الهيمنة الاستعمارية.
بعد الاستقلال في عام 1956، عاد السرفاتي إلى المغرب ليكمل نضاله ضد الاستعمار الفرنسي والنظام الملكي، حيث كان يعتقد أن الاستقلال لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن تغييرات جذرية في البنية السياسية والاجتماعية للبلاد. على الرغم من خروجه من السجن بعد اعتقاله في العديد من المرات بسبب نشاطاته السياسية، إلا أنه ظل متمسكًا بمبادئه ولم يتراجع عن الدعوة لحقوق الإنسان والديمقراطية.
في السبعينات، كان السرفاتي من المؤسسين الرئيسيين للحزب الاشتراكي الموحد، الذي كان يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوحيد القوى الديمقراطية في المغرب. الحزب كان يروج لمبادئ المساواة بين جميع أفراد المجتمع، ويعارض النظام السلطوي القائم آنذاك. كما كان السرفاتي أحد الداعين إلى إصلاحات سياسية واقتصادية لضمان أن يكون للمواطن المغربي دور فاعل في اتخاذ قرارات بلاده.
لم يقتصر نضال السرفاتي على القضايا المحلية فقط، بل كانت القضية الفلسطينية حاضرة دائمًا في أجندته. فقد دعم السرفاتي القضية الفلسطينية بكل قوته، واعتبرها جزءًا من نضاله ضد الظلم والاحتلال في جميع أنحاء العالم. كان يرى أن دعم حقوق الفلسطينيين هو جزء لا يتجزأ من حركات التحرر في المنطقة.
من خلال هذه المسيرة الحافلة بالتحديات والتضحيات، أصبح أبراهام السرفاتي واحدًا من الشخصيات التي تركت أثرًا بالغًا في تاريخ المغرب الحديث. بفضل أفكاره الثورية وإصراره على تحقيق التغيير، شكلت حياته مصدر إلهام لعدد كبير من الشباب الذين يسعون لتحقيق العدالة والحرية. بعد وفاته في 2010، لا يزال السرفاتي يُعتبر رمزًا للنضال المستمر من أجل بناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتؤمن بالمساواة بين جميع أبنائها.