
في أقصى طرف لونغ آيلاند، عند المكان الذي ينتهي فيه البرّ ويبتلع المحيط كل شيء، تقف قاعدة “كامب هيرو” مثل جدار أُقيم ليحجب سرّاً لا يريد أن يراه أحد.
المباني صامتة، النوافذ مغلقة، لكن الرادار العملاق فوق التلّ ما يزال يدور… رغم أن الكهرباء قُطعت رسمياً عنه منذ سنوات.
ظلّ الموقع مهملاً لسنوات، حتى ظهر رجل واحد وفتح الباب الذي حاول الجميع إغلاقه.
اسمه: بريستون نيكلز.
كان يحمل حقيبة بنية صغيرة، ووجهاً يبدو كمن عاد من مكان لا يشبه الأرض.
جلس أمام الصحافة، فتح الحقيبة، أخرج ملفات صفراء باهتة، وقال بصوت يشبه اعترافاً أخيراً:
“كنت في مونتوك… وشاهدت ما لم يُخلق البشر ليروه.”
بهذه الجملة بدأت القصة.
الفتى الصفري… الشرارة التي أطلقت كل شيء
داخل القاعدة، كانت تجري تجارب سرية على أطفال اختيروا من مدارس نيويورك بطرق غامضة. لم تكن اختبارات ذكاء، بل كانت تجارب على الوعي نفسه:
محاولة فتح نافذة داخل العقل تُمكّن من رؤية ما وراء الزمن.
من بين جميع الأطفال، كان هناك طفل واحد مختلف…
طفل قدرته على الدخول في حالة وعي غريبة جعلت العلماء يعتقدون أنه المفتاح الذي كانوا يبحثون عنه.
أطلقوا عليه لقب الفتى الصفري.
كانوا يجلسونه على كرسي معدني موصول بأسلاك تومض، وفي الخارج كان الرادار يدور بسرعة تزداد كلما ارتفع مستوى الطاقة.
وفي إحدى الليالي، بينما كان العلماء يدفعون الجهاز إلى أقصى قدرة لديه… حدث ما لم تخطر به عقولهم:
انشقّ الهواء فوق الكرسي، كأن صفحة من الزمن ذاته قد تمزقت.
خرج ضوء… ثم ظلّ… ثم شيء لم يكن له شكل واضح.
تحطم الزجاج، انقطعت الأسلاك، واختفى “الشيء” كما ظهر، تاركاً العلماء في صدمة لا يمكن تفسيرها.
الممر السري تحت الأرض… والقلب الحقيقي للمشروع
بعد الحادثة، أصبح الفتى غريباً.
هادئاً أكثر من اللازم.
يكتب على الجدران كلمة واحدة:
“العودة…”
وفي فجرٍ باهت، اختفى من غرفته المغلقة.
وعندما تتبع الجنود أثره، وجدوا باباً صدئاً يقود إلى ممر ينزل ستة طوابق تحت الأرض.
كان الطابق الثالث هو المركز الحقيقي للمشروع:
غرفة واسعة، يتوسطها كرسي معدني محاط بأنابيب زجاجية وأسلاك تتوهج بضوء أزرق.
سمّاه العلماء: الكرسي الزمني.
قال أحد المهندسين لاحقاً:
“كان الكرسي يسحب الأفكار من الدماغ… ويحوّلها إلى حقيقة.”
وعندما وصل الحراس، وجدوا آثار أقدام الفتى حول الكرسي…
ومفتاح التشغيل مضاءً… رغم أن الطابق كان مفصولاً عن الكهرباء.
وبعد دقائق، التقطت أجهزة القاعدة اهتزازاً غريباً… قادماً من الطابق الخامس.
هناك، وجدوا ضوءاً أبيض يتمدد كنافذة تُفتح على بُعدٍ مجهول.
بوابة ثانية… أكبر، وأعمق.
وقف الفتى الصفري أمامها.
نظر إلى الحراس مباشرة… بابتسامة غريبة لا تشبه ملامحه السابقة.
ثم خطا داخل الضوء.
واختفت البوابة معه…
كأنها لم تكن.
الإغلاق… والصوت الذي لم يصمت
تم إغلاق المشروع خلال ساعات.
أُحرقت الوثائق.
لُحمت الأبواب تحت الأرض بالحديد.
ووقع العاملون على تعهدات صمت مدى الحياة.
لكن القاعدة لم تمت.
الرادار ما يزال يدور.
الغابة ليلاً تسمع منها أصواتاً تشبه الهمهمة.
وأجهزة القياس في المنطقة تلتقط نبضات دقيقة من التردد نفسه الذي فُتحت به البوابة.
ومع مرور السنين، ظهرت شهادات لرجال بالغين يتذكرون –بشكل مشوش– غرفاً باردة وأضواء زرقاء وكرسياً معدنياً كانوا يجلسون عليه أطفالاً… رغم أن سجلات الدولة لا تذكر شيئاً عنهم.
ثم حدثت المفاجأة التي قلبت كل شيء:
عودة شخص يشبه الفتى الصفري… بعد عشرين سنة
رجل في الثلاثينات ظهر فجأة أمام مركز شرطة، وطلب بصوت واثق:
“أريد العودة إلى القاعدة… لقد خرجت منها قبل قليل.”
لكن الفتى كان مفقوداً منذ 22 عاماً.
اختفى في عمر 12… وهذا الرجل يبدو كمن تقدّم في العمر بسرعة غير طبيعية.
والأغرب:
خلف أذنه ندبة دائرية… في نفس المكان الذي كان يُثبت فيه جهاز الموجات.
وفي صباح اليوم التالي… اختفى الرجل.
الغرفة مغلقة من الداخل.
الكاميرات لم تسجّل أي حركة.
لكن على الجدار، ترك كلمة واحدة:
“العودة تمت.”
وفي تلك الليلة بالذات…
التقطت أجهزة القياس نبضة زمنية قصيرة قادمة من كامب هيرو.
نبضة تحمل نفس التردد الذي فُتحت به البوابة قبل عقود.
الحقيقة التي لم تُكتب… والنهاية المفتوحة
اليوم ما تزال القاعدة مغلقة.
لكن الرادار يدور.
والأرض تهتزّ أحياناً ليلاً.
وقصاصات الشهود تتكرر حول ضوء أبيض يظهر بين الأشجار ثم يختفي.
أما آخر ما قاله بريستون نيكلز قبل موته، فقد كان أكثر جملة أثارت الرعب:
“لم نفتح البوابة نحن…
هي التي فتحت نفسها عبرنا.
وما عاد منها… ليس شيئاً يمكن إغلاقه.”
وهكذا تبقى مونتوك لغزاً معلّقاً…
قاعدة صامتة تحرس سراً أكبر من أن يُدفن…
وسؤال واحد يظل مفتوحاً:
هل انتهت التجربة… أم أنها ما تزال تعمل في مكان آخر؟







