اسلاميات

سرّ الأسماء الإلهية… بين الحصـر والتجلي والاسم الأعظم

أولاً: الأسماء الحسنى بين الإحصاء والمخفيّات
أثبت القرآن أصلًا قطعيًا: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾، لكنه لم يحدّد عددًا معيّنًا، مما يدل على أن الأسماء الإلهية واسعة غير محصورة. وجاء الحديث النبوي الصحيح ليبيّن أن لله تسعةً وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة، دون أن يدل ذلك على الحصر، بل على فضيلة هذا العدد لا أكثر.

ويأتي الحديث الجامع الذي يكشف السرّ الأعمق:
«اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سمّيتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك».
هذا النصّ الصريح عند أهل السنة هو الدليل الأكبر على أن لله أسماء مخفية لم يطّلع عليها نبي ولا ملك ولا بشر، وأن ما نعرفه جزء من بحرٍ أوسع استأثر الله به لنفسه.
لقد اعتمد العلماء على هذه القاعدة، فقال ابن تيمية وابن القيم والنووي وابن عثيمين إن أسماء الله غير محصورة، وإن التسعة والتسعين الواردة في الحديث هي مجموعة مميّزة وليست هي كلّ الأسماء. وفي التراث القديم ظهرت محاولات للاستقراء عند الأئمة، مثل كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وما فيه من جمع للآيات والأحاديث، دون ادّعاء حصر أو إكمال العدد. كما ظهرت عند الصوفية قوائم واسعة تصل إلى «١٠٠١ اسم» عند ابن عربي، لكنّها ليست توقيفية، بل تأملات عرفانية لا يُبنى عليها حكم تعبدي.
وهكذا استقرّ التحقيق على أن الأسماء ثلاثة أقسام:
1. أسماء ثابتة نصًا في القرآن والسنة.
2. أسماء صحيحة المعنى استنبطها العلماء من النصوص.
3. أسماء مخفية لا يعلمها إلا الله، وهي المشار إليها بعبارة: «استأثرت به في علم الغيب».

ثانياً: مواضع الاسم الأعظم في الأحاديث:
دلّت السنة على وجود اسم معين هو أعظم الأسماء، يفتح أبواب الإجابة، لكنه لم يُذكر صراحة، بل جاء في سياق أدعية مخصوصة أثنى عليها النبي ﷺ. من أهمها:

1. قول الرجل:
«اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد…»
فقال ﷺ: «لقد سأل الله باسمه الأعظم».
2. دعاء آخر:
«اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم…»
فقال ﷺ: «لقد دعا الله باسمه الأعظم».
3. قول النبي ﷺ:
«اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين:
﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ﴾،
و﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾».
4. حديث أبي أمامة:
«اسم الله الأعظم في سور: البقرة، وآل عمران، وطه»، وهي المواضع التي تجتمع فيها صيغة:
«الله لا إله إلا هو الحي القيوم».
كما تُعدّ دعوة ذي النون: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» من أعظم دعوات التوحيد التي يفرّج بها الكرب، وهي قريبة في معناها من روح الاسم الأعظم، وإن لم يرد أنها هي الاسم الأعظم نصًا.

ثالثاً: خلاصة أقوال العلماء في تحديد الاسم الأعظم
من خلال جمع النصوص تتبيّن ثلاثة اتجاهات كبرى في الترجيح:
1. أن الاسم الأعظم هو «الله»
لأنه الاسم الجامع، ولأن جميع الأدعية التي نُصّ على أنها تضمنت الاسم الأعظم بدأت به، وهو الاسم العلم الذي لا يُشارَك فيه.
2. أنه «الحي القيوم»
لأنه تكرّر في جميع المواضع المرتبطة بالاسم الأعظم، ولما يدل عليه من كمال الحياة والقيام والتدبير، وهو قول النووي وإشارات ابن تيمية وترجيح ابن عثيمين.
3. أنه صيغة مركبة تتضمن:
«الله»، «لا إله إلا هو»، «الحي القيوم»، «ذو الجلال والإكرام»، «الأحد الصمد»، «المنان بديع السماوات والأرض».
أي أن العظمة في اجتماع هذه الأوصاف التوحيدية لا في لفظ واحد.
أما المتصوفة فقد ذهب بعضهم إلى أن الاسم الأعظم ليس كلمة واحدة، بل هو كل اسم يُدعى به الله مع حضور القلب، وهو تفسير ذوقي لا يعارض النصوص لكنه لا يعيّن الاسم.
ومحصلة التحقيق أن أقرب الألفاظ إلى أن تكون هي الاسم الأعظم – أو مركزه – هي:
«الله» و «الحي القيوم»، أو الصيغ التي تجمع بينهما:
«الله لا إله إلا هو الحي القيوم».
وهكذا تتكامل الصورة:
الأسماء الحسنى غير محصورة، وفيها أسماء مخفية لا يعلمها إلا الله، والاسم الأعظم مشار إليه في نصوص متعددة دون تعيين صريح، وتركه النبي ﷺ مبثوثًا في جملة من الأدعية لتحيا به القلوب، لا ليُحصر في لفظٍ واحد، فيبقى سرّه بين التوحيد الخالص والانكسار الصادق بين يدي الله.

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا