مغاربة العالم

إيطاليا تُغلق موانئها في وجه التطبيع البحري: عمال ليفورنو يرفضون المشاركة في الجريمة

عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

في مشهد يعكس تعاظم التوتر بين المدنيّة والمبادئ من جهة، وسلطة القوة من جهة أخرى، قرّر عمّال موانئ في إيطاليا وبعض الدول الأوروبية وقف التعامل مع سفن تحمل بضائع لإسرائيل، في رسالة رمزية قوية مفادها: لن نكون شركاء في استنزاف المعاناة أو تزييف العدالة.

في مدينة ليفورنو الإيطالية، تراجعت سفينة زيم فيرجينيا عن تحميل أو تفريغ بضائع بسبب تهديد العمال بالإضراب الفوري. كان القرار سريعًا وحاسمًا: إما أن يُبقي العمال مرفأهم حُرًا من أي تعاون يُشبه المشاركة، أو أن يساعدوا – ولو عن غير قصد – في تصعيد مأساة غزة.

لم يكن هذا رد فعل معزولاً، بل امتدادًا لتحركات مشابهة في موانئ أخرى، مثل جنوى وتارانتو ورافينا. النقابات العمالية في أوروبا بدت وكأنها تقول بصوت واحد: “لن نقبل بأن تكون موانئنا أدوات لتمرير السلاح أو الوقود إلى جهة تُمارس الاعتداء على المدنيين”.

المثير في هذا التحرك أن الدافع ليس سياسيًا بحتًا، بل مبدئيًا: رفض أن يُسخّر العمل الإنساني ليُستخدم كذريعة للتغطية على الجرائم. أحد مسؤولي الاتحاد العمالي أعلن بوضوح أنهم يرفضون أن يُحمّلوا هذا العبء، واصفًا ما يحدث في غزة بـ “الإبادة الجماعية” واصفًا الحكومة الإسرائيلية بأنها فاشية.

هذا الموقف لم يُتخذ في عزلته. ففي فرنسا، رفض عمال ميناء مرسيليا تحميل معدات عسكرية متجهة إلى حيفا، معتبرين أنهم يرفضون المشاركة في التدمير. وفي دول أخرى مثل السويد واليونان، تحركت النقابات بنفس المنطق: إن المبدأ الذي يدافع عن أرواح الأبرياء فوق كل اعتبار.

النقابات الأوروبية باسم العمال تُرسل رسالة ضميرية مفادها أن الانخراط في النضال ضد الظلم لا يقتصر على كلمات الشجب والتنديد، بل يمكن أن يأخذ أشكالا عملية ملموسة. إنه نضال في الميناء، في الساحات، وفي مقاومة تخصيص البضائع لدعم الاحتلال.

إذا تم تنفيذ الدعوة لإضراب عام في حال تَمّ اعتراض أسطول الصمود، فسيكون ذلك خطوة غير مسبوقة في الضغط الدولي. إن التصعيد المدني والنقابي بهذا الشكل يؤكد أن التضامن ليس خيارًا، بل واجب مبدئي يتخطى الحدود الوطنية.

الخطر الأكبر في هذا التصعيد هو أن تتحول الموانئ إلى ساحات مواجهة دبلوماسية، وأن يُنظر إلى عمال الشحن كأطراف متنازعة في معركة سياسية. لكن من وجهة النظر الإنسانية، ليست السفن وحدها التي تُحرَّم الرسو؛ بل يُحرم أبرياء غزة من الطعام والدواء والوقود الضروريين للبقاء.

ومن الناحية الرمزية، يعكس الموقف أن بعض قطاعات المجتمع باتت ترفض الاستسلام للتقوقع الدولي، وترفض أن تكون جزءًا من تواطؤ صامت. إنه احتجاج لا يحمل بندقية، بل يحمل مضخّة هواء تنفخ أنفاس العدالة في كل ميناءٍ يُجبر على الانحناء أمام اللوبيات السياسية.

ما حصل في ليفورنو وموانئ أوروبا ليس مجرد إضراب عُمّالي. إنه إعلان أن الضمير لا يُطوى، أنه يمكن لبصمات العمال أن تُكتب على صفحات التاريخ، أن تقول: كان هناك من رفض أن يكون أداة في آلة القتل.

إن نشوء تحالف بين العمل النقابي المتوسط، والموقف المدني الدولي، والضغط الإعلامي والدبلوماسي، قد يُحدث توازنًا في المعادلة التي تكرّس الاحتلال وتفرضه كأمر واقع. فحين ترفض الموانئ أن تغادر السفن، فإنها تقول بصمت عالٍ: “لن نكون جزءًا من الإبادة”.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا