ارتفاع نسبة الطلاق والعزوف عن الزواج في المغرب: بين الأرقام والتخوفات والحلول الشرعية
أهم الأخبار

شهد المغرب في السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في معدلات الطلاق، حيث تجاوز عدد الحالات المسجلة 600 ألف بين عامي 2017 و2022، فيما ارتفع العدد من 107,136 حالة في 2017 إلى 146,766 في 2022. أما في عام 2023، فقد بلغت حالات الطلاق للشقاق وحدها 68,999 حالة، إضافة إلى 24,260 حالة طلاق اتفاقي و6,620 حالة تطليق خلع، بينما لم تتوفر بعد إحصاءات رسمية لعام 2024، إلا أن الاتجاه التصاعدي للظاهرة يظل مقلقًا.
وبالتوازي مع هذا الارتفاع، برزت ظاهرة العزوف عن الزواج، حيث أظهرت الإحصائيات أن نسبة العزوبة بين الإناث بلغت 47.7%، ولدى الذكور 28.3%، بينما قفزت نسبة العزوف عن الزواج من 42% عام 2011 إلى 70% في السنوات الأخيرة. ومما زاد من تعقيد المشهد إعلان مسودة مدونة الأسرة الجديدة، التي جاءت بتعديلات تشمل الميراث، تعدد الزوجات، والطلاق، بالإضافة إلى تعزيز حقوق الأم المطلقة في حضانة أطفالها حتى بعد زواجها، وضمان حق المحضون في السكن. هذه التعديلات أثارت جدلًا واسعًا، حيث أعرب بعض الشباب عن تخوفهم من الزواج في ظل هذه التغييرات القانونية التي يعتبرها البعض حمائية، بينما يرى آخرون أنها قد تزيد من تعقيد مؤسسة الزواج وتقلل من إقبال الشباب عليها.
أمام هذه التحديات، تبقى العودة إلى المنهج الشرعي الصافي السبيل الأمثل لإصلاح واقع الزواج في المجتمع المغربي، حيث حث الإسلام على الزواج باعتباره حصنًا للعفة وأساسًا لبناء الأسرة المستقرة. قال الله تعالى: “وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” [النور: 32]، وفي الحديث الشريف قال النبي ﷺ: “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج”.
ولتيسير الزواج، يجب العمل على إزالة العقبات التي تثقل كاهل الشباب، وعلى رأسها المغالاة في المهور التي حذر منها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: “ألا لا تغالوا في صداق النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها النبي ﷺ”. كما ينبغي الحد من الإسراف في حفلات الزواج، وتوعية الأسر بأهمية التيسير في متطلبات الزواج، حتى يعود إلى طبيعته كعقد يقوم على السكينة والمودة، لا على المظاهر والتكاليف الباهظة.
أما التدخل في الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج، فهو أمرٌ جدير بالتوقف عنده، إذ أن التشريعات المستمدة من الشريعة الإسلامية قد وضعت ضوابط واضحة تحفظ حقوق جميع الأطراف وتحقق التوازن بين مسؤوليات الزوجين. قال الله تعالى: “فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” [النور: 63].
إن مواجهة ظاهرة الطلاق والعزوف عن الزواج تتطلب رؤية شمولية تعالج الأسباب الجذرية، وتعيد للزواج مكانته الطبيعية باعتباره أساسًا لبناء مجتمع متماسك. ومع استمرار الجدل حول مدونة الأسرة الجديدة، يظل الحل في العودة إلى تعاليم الإسلام التي تيسر الزواج وتضمن استقراره، بعيدًا عن التشريعات التي قد تزيد من تعقيد المشهد الاجتماعي وتُثقل كاهل الشباب بأعباء إضافية.