في زمن مضطرب، صار فيه الباطل يزهو على الحق، يطل علينا كل يوم جيل جديد من “مشاهير التيك توك”؛ وجوه بلا مضمون، أصوات بلا رسالة، حركات استعراضية فارغة لا تحمل أي إضافة للإنسان أو المجتمع. يطلقون على أنفسهم لقب “صُنّاع محتوى” أو “مؤثرين”، لكن أي تأثير يُرجى من صراخ، ورقص، وتفاهة، وانحدار في الذوق والحياء؟
أية شهرة هذه التي تُبنى على هز الوسط، أو تفاهة الحوار، أو تحديات سخيفة لا يليق أن يشاهدها طفل صغير؟ وهل الشهرة تُقاس بعدد المتابعين الذين انجذبوا للفراغ، أم بما يقدمه الإنسان من فكر، علم، إبداع، أو عمل نافع؟
الحق أن ما يقدمه هؤلاء لا يعدو كونه تسويقاً للسطحية، وترويجاً للابتذال، وتطبيعاً مع قلة الحياء. الأخطر من ذلك أن هذه الظاهرة لم تقتصر على الأفراد، بل وجدت من يتابعها بحماسة، ويصفق لها، ويشاركها، حتى صار التفاهة تياراً جارفا يهدد العقول الناشئة.
أي لعنة هذه التي جعلت بعض العقول تنحني أمام خواء المحتوى، وتستبدل القدوة الحقيقية – العالِم، المفكر، المبدع، الطبيب، المخترع – براقص على شاشة صغيرة أو بائع ضحكات مصطنعة؟ أليس ذلك علامة على خلل في سلم القيم؟
لقد صار المجتمع مهدداً بوباء جديد: وباء الشهرة السهلة، حيث لا جهد ولا فكر ولا نفع، فقط ضجيج يملأ الفضاء. وللأسف، فإن بعض الناس صاروا يتعاملون مع هؤلاء كأنهم قادة رأي، يطلبون مشورتهم، ويستقون منهم مواقفهم، بينما هم في الحقيقة مجرد “فقاعات صابون” سرعان ما تتلاشى مع أول نسمة عقل.
إن الدرس الذي يجب أن يُفهم هو:
الشهرة ليست معيار قيمة، ولا عدد المتابعين يساوي وزن الحقيقة. فالتاريخ لم يذكر “المشهورين” بقدر ما ذكر المؤثرين الحقيقيين، الذين صنعوا علماً، أو زرعوا فكراً، أو قدّموا شيئاً يبقى بعد رحيلهم.
فلْيعلم هؤلاء “المؤثرون الوهميون” أن الزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث في الأرض. ولْيعلم متابعوهم أن كل متابعة يقدّمونها لهؤلاء هي تصويت لصالح التفاهة، وخيانة صامتة لحق عقولهم في غذاء فكري نافع.







