
رغم أن قدوم مولود جديد يُعتبر لحظة فرح عارمة، إلا أن الكثير من الأمهات يعشن وجهاً آخر لهذه التجربة يتمثل في معاناة نفسية عميقة تُعرف باكتئاب ما بعد الولادة. هذه الحالة لا ترتبط بضعف شخصية المرأة أو قلة حبها لطفلها، بل هي اضطراب شائع يحدث نتيجة تداخل عوامل هرمونية ونفسية واجتماعية. وتشير دراسات حديثة إلى أن ما بين واحدة من كل سبع أمهات قد تعاني من هذا الاكتئاب بدرجات متفاوتة، تبدأ أعراضه عادة خلال الأسابيع الأولى بعد الإنجاب، لكنه قد يظهر أيضاً بعد عدة أشهر. الأعراض قد تشمل حزناً مستمراً، شعوراً بالعجز أو الذنب، اضطرابات في النوم والشهية، إضافة إلى فقدان الرغبة في الاستمتاع بالحياة أو حتى الاهتمام بالمولود. ولعل خطورته تكمن في أن بعض الأمهات قد يخفين معاناتهن خوفاً من الأحكام المجتمعية أو وصمة العار، مما يؤدي إلى تفاقم الحالة في صمت. الأطباء يؤكدون أن التشخيص المبكر والتدخل العلاجي سواء عبر الدعم النفسي أو الأدوية الآمنة يمكن أن يغير بشكل جذري مسار هذه التجربة، ويعيد للأم توازنها العاطفي وقدرتها على التفاعل مع طفلها. ومن هنا تبرز الحاجة إلى توعية أكبر داخل المجتمعات العربية، حيث ما يزال الحديث عن الصحة النفسية محاطاً بالكثير من التحفظات. إن إدراك أن الاكتئاب بعد الولادة حالة طبية قابلة للعلاج، وليس عيباً أو نقصاً، هو الخطوة الأولى لحماية الأمهات وأطفالهن على حد سواء.