سياسة

الأحزاب السياسية والمواطن المغربي: بين واجب التأطير وموسمية التواصل

الأحزاب السياسية في الأنظمة الديمقراطية الحديثة هي الوسيط الطبيعي بين الدولة والمجتمع، والفضاء المؤسسي الذي يُفترض أن تتجسد فيه إرادة المواطنين وتُصاغ عبره المطالب الاجتماعية في شكل برامج ورؤى وسياسات عمومية. غير أن واقع الممارسة الحزبية بالمغرب يثير تساؤلات عميقة حول مدى قيام الأحزاب بدورها التأطيري، وحدود علاقتها بالمواطن خارج المناسبات الانتخابية.
من حيث المبدأ، ينيط الدستور المغربي بالأحزاب السياسية أدوارًا محورية، في مقدمتها تأطير المواطنات والمواطنين، والمساهمة في التعبير عن إرادتهم، وتشجيع مشاركتهم في الحياة السياسية، وتكوين النخب القادرة على تدبير الشأن العام. غير أن هذه الوظائف، على أهميتها، غالبًا ما تظل حبيسة النصوص، في ظل ممارسة حزبية يغلب عليها الطابع الموسمي والبراغماتي.
ويلاحظ المتتبع للشأن السياسي المغربي أن التواصل الحزبي مع المواطن يعرف فتورًا واضحًا خلال الفترات الفاصلة بين الاستحقاقات الانتخابية، ليعود فجأة وبكثافة قبيل الانتخابات، في شكل وعود وبرامج وخطابات تعبئة. هذا السلوك الموسمي أفرغ العمل الحزبي من بعده التربوي والتأطيري، وحوّل العلاقة بين الحزب والمواطن إلى علاقة ظرفية، تقوم على منطق الاستقطاب الانتخابي أكثر مما تقوم على بناء وعي سياسي مستدام.
وتتعدد أسباب هذا الخلل؛ فمن جهة، تعاني أحزاب كثيرة من ضعف البنيات التنظيمية، وغياب التأطير الداخلي، ونقص الكفاءات القادرة على التواصل الدائم مع المواطنين بلغة واضحة وقريبة من همومهم. ومن جهة ثانية، أدى تغليب منطق التدبير الانتخابي والبحث عن المقاعد إلى تراجع الاستثمار في العمل القاعدي، وفي فتح نقاشات عمومية جادة حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشغل الرأي العام.
كما ساهمت تحولات المجتمع، وصعود وسائل التواصل الاجتماعي، في تعميق الفجوة بين الأحزاب والمواطنين، إذ لم تستطع فئة واسعة من التنظيمات الحزبية مواكبة هذه التحولات بآليات حديثة للتواصل، واكتفت بحضور مناسباتي تقليدي، لا يلامس تطلعات فئات واسعة، خاصة الشباب.
ويترتب عن هذا الوضع ضعف الثقة في العمل الحزبي، وتنامي العزوف السياسي، خصوصًا في صفوف الشباب، الذين لا يجدون في الأحزاب فضاءً حقيقيًا للتعبير أو التأثير أو التدرج داخل المؤسسات. وهو ما ينعكس مباشرة على نسب المشاركة الانتخابية، وعلى جودة التمثيلية السياسية، وعلى حيوية الحياة الديمقراطية برمتها.
إن إشراك المواطن في الحياة السياسية لا يمكن أن يتحقق عبر الحملات الانتخابية وحدها، بل يقتضي حضورًا دائمًا للأحزاب في النقاش العمومي، وتأطيرًا مستمرًا مبنيًا على القرب، والإنصات، وتقديم البدائل الواقعية، وربط الخطاب السياسي بالفعل الميداني. كما يتطلب إعادة الاعتبار للعمل الحزبي المحلي، وتنشيط الفروع، وخلق فضاءات حوار مفتوحة مع المواطن حول السياسات العمومية والاختيارات الكبرى.
وفي السياق المغربي، تظل الحاجة ملحّة إلى تجديد الخطاب الحزبي، وإعادة بناء الثقة بين المواطن والتنظيمات السياسية، من خلال القطع مع منطق الموسمية، والانتقال إلى ممارسة سياسية مسؤولة تجعل من المواطن شريكًا دائمًا في النقاش والتقييم والاقتراح، لا مجرد رقم انتخابي يُستدعى كل بضع سنوات.
إن مستقبل العمل السياسي بالمغرب يظل رهينًا بقدرة الأحزاب على استعادة دورها التأطيري والتربوي، والانفتاح الحقيقي على المجتمع، والمساهمة الفعلية في إشراك المواطن في تدبير الشأن العام، بما يعزز المشاركة، ويقوي المؤسسات، ويكرس مسارًا ديمقراطيًا أكثر نضجًا وفعالية

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا