
الطعام هو جزء أساسي من الثقافة والهوية، يعكس تاريخ الشعوب وتقاليدها، ويوحّد المجتمعات عبر الأجيال. بين اليهود والمغاربة، للطعام دور مركزي في المناسبات الدينية والاجتماعية، مما يبرز الروابط الثقافية العميقة والتفاعل الحضاري الذي شكّل جزءًا من تاريخ المغرب.
في التقاليد اليهودية، للطعام رمزية دينية واجتماعية، حيث ترتبط الأطباق بالمناسبات المقدسة. على سبيل المثال، خلال عيد الفصح اليهودي (بيساح)، يعد طبق “الماتزا” – الخبز غير المخمّر – رمزًا لرحلة الخروج من مصر. وفي عيد رأس السنة اليهودية (روش هاشناه)، تحضر أطباق حلوة مثل “تشالاه” بالعسل والتفاح لتمثيل الأمل في عام جديد سعيد. أما في عيد الأنوار (حانوكا)، فإن الأكلات المقلية مثل “اللاتكس” (فطائر البطاطا) و”سوفغانيات” (دونات محشوة) ترمز إلى معجزة الزيت. ويُعتبر الكوشير (الأكل الحلال وفق الشريعة اليهودية) قاعدة أساسية تؤثر على تحضير الطعام، حيث يُراعى فصل اللحوم عن الألبان واختيار اللحوم المذبوحة بطرق خاصة.
أما الأكل المغربي، فهو مزيج من التأثيرات الأمازيغية، العربية، الأندلسية، وحتى اليهودية. الطاجين، الكسكس، والبسطيلة هي من أشهر الأطباق التي تتميز بنكهاتها الغنية بالتوابل مثل الزعفران، الكمون، والزنجبيل. في المناسبات، يظهر الطعام كجزء من الاحتفال، مثل الكسكس الذي يُقدّم عادةً يوم الجمعة، والطاجين الذي يحضر في الولائم والأعياد. خلال عيد الأضحى، تعد الأطباق المرتبطة باللحوم مثل “المروزية” علامة على البهجة. وفي رمضان، تحضر أكلات خاصة مثل الحريرة (حساء مغربي غني) والشباكية (حلويات مقلية بالعسل) التي تجمع العائلات.
العلاقة بين الأكل اليهودي والمغربي تظهر بوضوح في بعض الأطباق المشتركة التي تطورت عبر العصور نتيجة للتعايش الثقافي والديني. على سبيل المثال، طبق “الدفينة” أو “السخينة”، الذي يُحضَّر من الحمص والقمح واللحم، كان يُعدُّه اليهود في المغرب ليُؤكل خلال السبت، وهو مشابه لطبق الكسكس الذي يحتل مكانة خاصة في المطبخ المغربي. أيضًا، الحلويات مثل “المقروط” و”البغرير” تحمل نكهات مألوفة لدى اليهود المغاربة، حيث احتفظوا بتقنيات تحضيرها أثناء انتشارهم في بلدان أخرى.
التداخل بين المطبخين لم يكن مجرد تأثير عابر بل جزءًا من تاريخ مشترك. اليهود الذين عاشوا في المغرب لقرون طويلة ساهموا في إثراء المطبخ المغربي بإضافات مثل طرق حفظ الطعام أو التوابل المستخدمة، كما تأثروا بالوصفات المحلية ونقلوها إلى الشتات.
باختصار، الأكل اليهودي والمغربي يعكسان حكايات طويلة من التقاليد والتفاعل الثقافي. هذا المزيج لا يظهر فقط في الأطباق الشهية ولكن أيضًا في الرسائل المشتركة من التآلف الاجتماعي والاحتفاء بالمناسبات. الطعام يصبح هنا أكثر من مجرد وجبة؛ إنه شهادة حية على حوار الثقافات وتاريخ مشترك يُستحق الحفاظ عليه.