قدّمت المديرية العامة للأمن الوطني حصيلتها السنوية برسم سنة 2025 في سياق مؤسساتي يؤكد خيار الشفافية والانفتاح، ويجسد التزام المؤسسة الأمنية بإطلاع الرأي العام على منجزاتها وبرامجها، لاسيما في ما يتقاطع مع انتظارات المواطنات والمواطنين في مجالات الأمن، الخدمات، وحماية الأشخاص والممتلكات.
وقد تميزت سنة 2025 بمواصلة تنزيل جيل جديد من الإصلاحات البنيوية والوظيفية، قوامها التحول الرقمي الشامل لمنظومة العمل الشرطي، وتحديث البنيات والتجهيزات، وتعزيز المقاربة الحقوقية، إلى جانب تقوية النجاعة العملياتية في مكافحة الجريمة، وترسيخ الأمن باعتباره رافعة أساسية للاستقرار والتنمية.
تحديث البنيات والتجهيزات وترسيخ شرطة القرب:
واصلت المديرية العامة للأمن الوطني تحديث بنياتها الإدارية والميدانية، مع اقتراب الشروع في استغلال المقر المركزي الجديد بالرباط خلال سنة 2026، باعتباره مجمعًا أمنيًا مندمجًا يضم مختلف المديريات والمصالح المركزية ضمن بيئة رقمية حديثة تحترم أعلى المعايير التقنية والأمنية.
وفي مجال التكوين، شكّل افتتاح المعهد العالي للعلوم الأمنية بمدينة إفران محطة مفصلية في تحديث منظومة التكوين الشرطي، باعتباره فضاءً أكاديميًا متخصصًا في بناء الكفاءات الأمنية، وحاضنة للبحث العلمي وتبادل الخبرات على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة في إفريقيا، إلى جانب تعزيز شبكة مدارس التكوين بافتتاح مدرسة جديدة بمراكش، وبرمجة إحداث مدرسة مماثلة بالدار البيضاء.
وعلى مستوى شرطة القرب، جرى تعزيز البنيات الترابية عبر ترقية عدد من المفوضيات إلى مناطق أمنية إقليمية، وإحداث مصالح جديدة لمعاينة حوادث السير، وتدشين مقرات شرطية حديثة، بما يواكب التوسع العمراني ويضمن سرعة الاستجابة لانتظارات المواطنين.
أمن الأحداث الكبرى والتحول التكنولوجي:
استعدادًا لاحتضان المملكة لكأس إفريقيا للأمم 2025، وضمن أفق التحضير لكأس العالم 2030، كثفت المديرية العامة للأمن الوطني جهودها لتأهيل المنظومة الأمنية الرياضية، عبر إحداث “مركز التعاون الشرطي الإفريقي 2026”، وتعزيز المراقبة الذكية بالكاميرات في عدد واسع من المدن، وتعميم القاعات المتطورة للقيادة والتنسيق، وتوظيف الطائرات المسيرة، والفرق المتخصصة، وتجهيز الملاعب بمفوضيات أمنية داخلية وقاعات لتدبير التدخلات الميدانية.
كما تم تحديث أسطول الشرطة بأزيد من ألف مركبة حديثة، وإدماج اللغة الأمازيغية في الهوية البصرية للمركبات الشرطية، إلى جانب تعزيز وسائل التدخل البديلة عبر تزويد المصالح الأمنية بمسدسات الصعق الكهربائي، بما يضمن سلامة المواطنين وعناصر الشرطة أثناء التدخلات.
رقمنة الخدمات وتقريب الإدارة من المواطن:
شهدت سنة 2025 نقلة نوعية في مجال رقمنة الخدمات العمومية الشرطية، عبر تطوير منصة “E-Police”، ومعالجة عشرات الآلاف من طلبات بطاقة السوابق العدلية عن بُعد، والاستعداد لإطلاق خدمات رقمية جديدة لفائدة مغاربة العالم، بما يقلّص آجال الإنجاز ويُيسّر الولوج إلى الخدمات.
كما تم إنجاز أزيد من 3,6 ملايين بطاقة وطنية للتعريف الإلكترونية من الجيل الجديد، مع تعبئة وحدات متنقلة لتقريب هذه الخدمة من ساكنة المناطق الجبلية والنائية، وتسريع وتيرة إنجاز الوثائق لفائدة الجالية المغربية بالخارج. وجرى تعميم الأنظمة المعلوماتية الخاصة بتدبير القضايا الجنائية وحوادث السير، بما رفع من سرعة المعالجة وجودة الإحصائيات الأمنية.

مكافحة الجريمة: تراجع العنف وارتفاع فعالية الزجر:
أظهرت مؤشرات سنة 2025 استقرارًا في عدد القضايا الزجرية المسجلة، مقابل تراجع ملحوظ للجريمة العنيفة بنسبة 10 في المائة، وتراجع السرقات المشددة بمختلف أشكالها، في وقت بلغ فيه معدل الزجر حوالي 95 في المائة، وهو من أعلى المعدلات المسجلة خلال السنوات الأخيرة.
وسجلت جهود مكافحة المخدرات نتائج بارزة، بحجز كميات كبيرة من الحشيش والكوكايين والمؤثرات العقلية، وتراجع ملموس في قضايا مخدر “البوفا”، إلى جانب تفكيك شبكات للهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر، والتصدي لجرائم الابتزاز والجرائم السيبرانية.
كما واصلت المصالح الأمنية تعزيز البحث في الجرائم المالية وغسل الأموال، مع حجز عائدات إجرامية بمئات الملايين من الدراهم، وتراجع ملحوظ في قضايا الفساد المالي، بما يعكس نجاعة المقاربة الزجرية والوقائية المعتمدة.

حقوق الإنسان والحكامة الأمنية:
أكدت حصيلة 2025 ترسيخ البعد الحقوقي في العمل الأمني، من خلال تكثيف الدورات التكوينية في مجال حقوق الإنسان، ومراقبة أماكن الحراسة النظرية، وتعزيز الشراكات مع المؤسسات الحقوقية الوطنية والدولية، إلى جانب تطوير التنسيق مع رئاسة النيابة العامة والدرك الملكي لتجويد البحث الجنائي وضمان احترام الضمانات القانونية.
إشعاع دولي وتعاون أمني متعدد الأطراف:
توّجت سنة 2025 بحضور دولي بارز للمغرب، عبر احتضان مدينة مراكش للدورة الثالثة والتسعين للجمعية العامة للإنتربول، وما رافقها من إشادة دولية بالنموذج الأمني المغربي، وتوقيع اتفاقيات تعاون ثنائي ومتعدد الأطراف، وتوسيع الشراكات الأمنية.
كما حظيت القيادة الأمنية المغربية بتوشيحات وأوسمة دولية وعربية رفيعة، اعترافًا بدورها في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وتعزيز التعاون الأمني الدولي.

الاستثمار في العنصر البشري والرعاية الاجتماعية:
واصلت المديرية العامة للأمن الوطني الاستثمار في الموارد البشرية عبر توظيف وتكوين آلاف الشرطيات والشرطيين، وتكريس آليات التحفيز والترقية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، إلى جانب توسيع خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية لفائدة أسرة الأمن الوطني، بما يشمل الدعم الاجتماعي، والتغطية الصحية، والسكن، والحج، والتعليم، والأنشطة الثقافية والرياضية.
تواصل أمني وانفتاح مرفقي:
عززت المديرية العامة للأمن الوطني خلال سنة 2025 سياسة التواصل والانفتاح، بتنظيم الأبواب المفتوحة التي استقطبت ملايين الزوار، وتكثيف الحضور الإعلامي والرقمي، ومحاربة الأخبار الزائفة، وترسيخ مفهوم الشرطة المواطنة القريبة من المجتمع، خاصة عبر برامج التحسيس في الوسط المدرسي.

آفاق 2026: ترصيد المكتسبات والاستعداد للمستقبل:
تؤكد المديرية العامة للأمن الوطني، من خلال هذه الحصيلة، عزمها مواصلة تحديث البنيات، وتعزيز الرقمنة، وتطوير التكوين، وترسيخ الأمن الرياضي، وتقوية التعاون الدولي، بما يضمن استمرارية الأمن والاستقرار، ويجعل من المؤسسة الأمنية ركيزة أساسية لخدمة المواطن، وحماية الوطن، ومواكبة رهانات المستقبل.












