
ليلة الإسراء والمعراج تُعدّ من أعظم المعجزات التي أكرم الله بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهي حدث خارق للعادة يتجاوز حدود الزمان والمكان. وقعت هذه الليلة في مرحلة صعبة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، بعد وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها وعمه أبي طالب، مما سبب له أذى نفسيًا شديدًا، فأراد الله عز وجل أن يخفف عنه ويكرمه برحلة سماوية شهدت آيات إلهية عظيمة.
ذكر القرآن الكريم هذه الحادثة في قوله تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الإسراء: 1).
بدأت هذه الرحلة عندما أُتي بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. وقد جاء جبريل عليه السلام ومعه البراق، وهو دابة بيضاء عظيمة، قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: “أُتيت بالبراق، وهو دابة أبيض، طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه” (رواه مسلم). كانت هذه الدابة تسير بسرعة مذهلة تعكس إعجاز الله، إذ تقطع المسافات الشاسعة في لحظات. وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، حيث جمع الله له الأنبياء، فصلى بهم إمامًا، في دلالة عظيمة على مكانته كخاتم المرسلين وإمامهم.
بعد ذلك عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا. في السماء الأولى، التقى بآدم عليه السلام، فرآه محاطًا بأرواح ذريته، أرواح المؤمنين عن يمينه، وأرواح الكافرين عن شماله. وفي السماء الثانية، التقى بعيسى ويحيى عليهما السلام، ثم بيوسف عليه السلام في الثالثة، الذي وُصف بجماله البديع. في السماء الرابعة، التقى بإدريس عليه السلام، وفي الخامسة بهارون عليه السلام. وفي السادسة التقى بموسى عليه السلام، الذي بكى وقال: “ربِّ، هذا الغلام الذي بُعث بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي”. وأخيرًا في السماء السابعة، التقى النبي صلى الله عليه وسلم بإبراهيم عليه السلام، مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وهو بيت تطوف به الملائكة كما يطوف المسلمون بالكعبة، ويدخله سبعون ألف ملك يوميًا لا يعودون إليه أبدًا.
وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، حيث يقول الله تعالى: “عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ” (النجم: 14-16). وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الشجرة بأنها عظيمة، يغشاها من نور الله ما لا يمكن للبشر تخيله، وقد رأى فيها من آيات ربه الكبرى.
في هذه الرحلة، أراه الله تعالى نعيم الجنة وعذاب النار. رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنهار الجنة وقصورها، ورأى فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. أما في النار، فقد شاهد أصنافًا من العذاب لأهل الكبائر، فرأى آكلي الربا تُملأ بطونهم بالحجارة، ورأى الزناة في تنانير من نار، ورأى أقوامًا تُقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار لأنهم كانوا يدعون الناس إلى الخير ولا يعملون به. كما رأى أناسًا يخمشون وجوههم وصدرهم بأظفار نحاسية بسبب أكلهم لحوم الناس بالغيبة والنميمة.
في سدرة المنتهى، أوحى الله إلى نبيه ما شاء من الوحي، وكان من أعظم ما أوحاه فرض الصلاة على المسلمين. أمر الله نبيه بخمسين صلاة في اليوم والليلة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم، بإشارة من موسى عليه السلام، سأل التخفيف عن أمته، فاستجاب الله وجعلها خمس صلوات بأجر خمسين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “هي خمس، وهي خمسون، لا يُبدَّل القول لديَّ” (رواه البخاري).
عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة في نفس الليلة. عندما أخبر قريشًا بما حدث، استهزأوا به وقالوا: “كيف لنا أن نصدق أنك ذهبت إلى بيت المقدس وعُدت في ليلة واحدة؟” ولإثبات صدقه، وصف لهم النبي المسجد الأقصى بدقة، حتى التفاصيل الصغيرة التي رفعها الله له أمام عينيه. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول من صدّقه، وقال كلمته المشهورة: “إن كان قال ذلك فقد صدق”، ومنذ ذلك الحين لُقب بالصديق.
ليلة الإسراء والمعراج ليست مجرد رحلة عادية، بل هي معجزة إلهية حملت معاني الإيمان بالغيب، والتأكيد على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم، والتذكير بقدرة الله المطلقة. وقد أجمعت الأمة الإسلامية على عظمتها وأهميتها، فهي ليلة تربط الأرض بالسماء، وتُظهر للإنسان عظمة الإيمان بالله وحقيقة الآخرة، وتُذكّر المسلمين بأهمية الصلاة التي جعلها الله صلة بينهم وبينه في أعلى مقام.