أراء وكتاب

الإنتقال من مرحلة «التواصل من أجل الصورة» إلى مرحلة «التفاعل من أجل القرار»

بقلم الدكتور جمال العزيز

يشهد المشهد الإعلامي المغربي منذ أسبوع تحوُّلًا لافتا في طريقة تعاطيه مع الشأن العمومي، حيث بدأت برامج جديدة تفتح فضاءات حقيقية للنقاش بين الشباب والمسؤولين الحكوميين، في إطار من الشفافية والتفاعل المباشر.
برامج مثل «نكونو واضحين»، وغيرها من اللقاءات المفتوحة التي تبثها القنوات الوطنية، لا تُمثِّل مجرد محتوى إعلامي، بل تُعبِّر عن نقلة نوعية في منطق التواصل السياسي، وتُجسِّد مبدأ الإبتكار المفتوح في الحكامة.

لقد انتقلنا من مرحلة الخطاب الأحادي الذي يُوجَّه من فوق، إلى مرحلة التواصل الأفقي، حيث أصبح الشباب فاعلا وشريكا في إنتاج المعنى، لا مجرد مُتلقٍّ.
الإعلام في هذا السياق لم يعُد وسيطا محايدا فحسب، بل تَحوَّل إلى مِنصَّة للإبتكار الديمقراطي، تُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتُكرِّس مفهوم المساءلة التشاركية.
غير أنَّ القيمة المضافة لهذا التحول لا تكمن فقط في فتح الميكروفون، بل في تثمين الذكاء الجماعي وتحويل النقاشات إلى رأسمال معرفي تشاركي.
فكلُّ حوار عمومي هو مختبر اجتماعي للإبداع في الحلول، وفرصة لإستكشاف أولويات الجيل الجديد الذي يسعى إلى عدالة اجتماعية واقتصادية مبنية على الكفاءة والشفافية.

ولكي يتحقق هذا الطموح، لا بد من الإنتقال من مرحلة «التواصل من أجل الصورة» إلى مرحلة «التفاعل من أجل القرار».
فالمطلوب اليوم هو بناء آليات مؤسساتية تُترجِم نتائج النقاشات الإعلامية إلى توصيات عملية، تُناقَش في المجالس المنتخَبة أو تُدمَج ضمن السياسات القطاعية.

يمكن، مثلا، التفكير في إنشاء مرصد وطني للحوار العمومي يُعنى بتجميع وتحليل خلاصات النقاشات الشبابية والإعلامية، وتوجيهها في صيغ علمية ومنهجية دقيقة.
إنَّ الإنفتاح الإعلامي الراهن لا ينبغي أن يُفهَم كاستجابة ظرفية لإحتجاجات أو ضغوط اجتماعية، بل كجزء من تحوُّل ثقافي نحو الدولة التواصلية المبتكِرة، التي ترى في المواطن مَصدَرا للفكر والحل، لا مجرد موضوع للسياسة العامة.

فالإبتكار لم يعُد محصورا في التكنولوجيا والإدارة، بل أصبح مَنهجا في التفكير وطريقة في بناء الثقة بين المواطن والدولة.

يُمكن القول إنَّ المغرب يعيش لحظة جديدة من النضج المؤسساتي، حيث تتقاطع الدبلوماسية الإعلامية الداخلية مع الإبتكار العمومي لإعادة تعريف العلاقة بين المجتمع والسياسة.
فالدولة المبتكِرة ليست فقط التي تُنجز المشاريع الكبرى، بل التي تُصغي بذكاء جماعي إلى تفاصيل المواطن، وتُحوِّل النقاش العمومي إلى رافعة للإبداع الوطني المشترك.

إنَّ ما تشهده الساحة المغربية اليوم من انفتاح إعلامي واستضافة متزايدة للشباب والخبراء والمسؤولين في حوارات علنية، كما في برامج مثل «نكونو واضحين» وغيرها يمثل بداية مرحلة جديدة من الذكاء المؤسساتي القائم على الإصغاء والمساءلة وتعدد زوايا النظر.
لكن هذه الخطوة لن تكتمل إلا بانتقال الإعلام من الوظيفة التبريرية إلى الوظيفة التفاعلية، أي من عرض الصورة إلى إنتاج المعنى، ومن نقل الحدث إلى المشاركة في صياغة القرار.

في هذا السياق، يصبح الإبتكار المفتوح إطارا منهجيا لتجديد العمل الإعلامي والسياسي معا، عبر إشراك المواطنين والخبراء والمجتمع المدني في إنتاج السياسات العمومية. إنها مقاربة جديدة تتجاوز منطق “الوساطة” نحو منطق “الشراكة”، وتعيد الإعتبار للمعرفة الجماعية كقوة اقتراحية تدعم القرار العمومي.

إن بناء دولة مبتكِرة لا يَمُرُّ فقط عبر الإصلاحات التقنية أو البرامج الحكومية، بل عبر تَحوُّل ثقافي يجعل من الإعلام أداة للتغيير الإيجابي، ومن الحوار الوطني فضاء للإبداع الجماعي.
حينها فقط، يمكن أن نتحدث عن مغرب تفاعلي، يتجاوز التواصل من أجل الصورة إلى التفاعل من أجل القرار ؛ مغرب يؤمن بأن المستقبل يُبنى بالمشاركة لا بالإقصاء، وبالإصغاء لا بالتبرير.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا