شهدت مدينة سلا، مساء أمس، أحداثًا مؤسفة بعدما تحولت بعض الاحتجاجات التي انطلقت في سياق اجتماعي سلمي إلى أعمال عنف وتخريب طالت مؤسسات وممتلكات عامة وخاصة، من بينها وكالة بنكية تابعة للبنك الشعبي، وعدد من سيارات الشرطة والمواطنين، إضافة إلى تخريب منشآت في أحياء متعددة. هذه المشاهد المؤلمة التي تكررت في عدد من المدن، تشكّل انحرافًا خطيرًا عن الهدف الحقيقي الذي خرج من أجله المواطنون، والذين طالبوا بداية بإصلاحات اجتماعية تمس التعليم والصحة والعيش الكريم في إطار من السلم والاحترام المتبادل.
لقد كان من المفترض أن تظل هذه الاحتجاجات نموذجًا حضاريًا للتعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق المشروعة، خصوصًا وأن القانون المغربي يكفل الحق في التظاهر السلمي ويضمن حرية التعبير في إطار الانضباط واحترام النظام العام. غير أن ما حدث من اقتحام لمؤسسات بنكية وإحراق سيارات وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، يشكل خرقًا خطيرًا للقيم الوطنية ولروح المواطنة الحقة التي تقوم على السلمية والاحترام.
إن المطالب التي رفعت، وإن كانت مشروعة وتعبر عن معاناة فئات واسعة من المجتمع، لا يمكن أن تبرر بأي شكل من الأشكال اللجوء إلى العنف أو المساس بمصالح الناس أو تخريب الممتلكات. فالوطن هو ملك لجميع أبنائه، وكل ضرر يصيب منشأة أو ممتلكة عامة أو سيارة شرطي أو مواطن، إنما يصيب في العمق صورة المغرب وأمنه واستقراره. فالوطن لا يُبنى بالحجارة التي تُقذف، ولا بالنار التي تُشعل، بل بالحوار والعقل والمسؤولية.
لقد كانت رسائل المتظاهرين واضحة في بداياتها: المطالبة بالعدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات العمومية والعيش الكريم. لكن حين تحوّل التعبير عن هذه المطالب إلى سلوك عنيف، فقدَ الاحتجاج روحه النبيلة، وتحولت الرسالة من صرخة أمل إلى مشهد فوضى لا يخدم إلا أعداء الاستقرار. إن هذه الأفعال لا تعبّر عن الأغلبية الهادئة التي خرجت بصدق وإخلاص، بل عن قلة انزلقت في لحظة غضب نحو التخريب، فشوّهت الصورة وأضاعت المعنى.
وفي وقت يحتاج فيه الوطن إلى تماسك وتعاون بين جميع مكوناته، فإن الحفاظ على السلم الاجتماعي أصبح واجبًا وطنيًا، لأن الأمن هو الضمانة الأولى لأي إصلاح أو تنمية. ومهما اشتدت الظروف وصعبت المعيشة، يظل التعبير السلمي هو الطريق الأجدر والأكثر نضجًا لإيصال الصوت، بعيدًا عن الانفعال والتصرفات التي لا تليق بمواطن واعٍ يحب بلاده.
إن ما حدث في سلا يجب أن يكون جرس إنذار للجميع: فالغضب مشروع، والمطالبة بالحقوق مشروعة، لكن الحفاظ على الوطن وسلامته أسمى وأغلى من كل شيء. فالمغرب لا يحتمل الانزلاق إلى الفوضى، وشعبه الذي أثبت عبر التاريخ وعيه العميق وحبه لوطنه، قادر على أن يُعبّر عن مطالبه بكرامة دون أن يُمسّ حجر من حجارة هذا البلد الآمن.