
في عالم تتقاطع فيه الثقافات وتتشابك فيه الأديان، يظلّ التسامح الديني من أسمى القيم الإنسانية التي تحفظ كرامة الإنسان وتُرسّخ العيش المشترك. ونحن كمسلمين، حين نُبادر إلى احترام معتقدات إخوتنا المسيحيين، ونُبارك لهم أعيادهم الدينية، فإننا لا نُجامل ولا نُنافق، بل نُترجم جوهر ديننا الحنيف الذي بُني على الرحمة، والعدل، وحسن المعاملة.
لقد علّمنا الإسلام أن الاختلاف سنة كونية، وأن الناس شعوب وقبائل ليتعارفوا لا ليتنازعوا. فاحترام أعياد المسيحيين، وتقدير رمزية هذه المناسبات في وجدانهم، هو سلوك حضاري يعكس نُضج الوعي الديني، ويُبرز الصورة الحقيقية للمسلم: إنسانًا مسالمًا، راقيًا، واثقًا من عقيدته لا يخشى الآخر ولا يُقصيه.
نعيش اليوم في مجتمعات واحدة، نعمل ونتقاسم الفضاء نفسه، نتقاسم الفرح والحزن، ونقف جنبًا إلى جنب في المحطات الإنسانية الكبرى. فكيف لا نُشارك إخوتنا المسيحيين فرحتهم بأعيادهم، كما يشاركوننا هم بدورهم فرحة أعيادنا الإسلامية، بكل احترام وتقدير؟ إن التهاني المتبادلة ليست مساسًا بالعقيدة، بل جسر محبة يُقوّي الروابط الإنسانية ويُحصّن المجتمعات من خطاب الكراهية والتطرف.
إن المرأة والرجل المسلمَين، حين يُجسّدان هذه القيم في سلوكهما اليومي، يُقدّمان أبلغ ردّ على كل الصور النمطية المغلوطة. فالإسلام لم يكن يومًا دين انغلاق، بل دين أخلاق، وحوار، وتعايش. وقد كان رسول الله ﷺ قدوة في حسن التعامل مع غير المسلمين، بالعدل والإحسان، دون تمييز أو تعالٍ.
إن احترام أعياد إخوتنا المسيحيين، ومشاركتهم بالكلمة الطيبة والنية الصادقة، هو رسالة قوية مفادها أن الدين لا يُفرّق بل يُهذّب، وأن القيم المشتركة بين البشر أقوى من كل خلاف. هكذا فقط نُسهم في بناء مجتمع متماسك، تسوده المحبة، ويعلو فيه صوت العقل والإنسانية.
و يبقى التسامح الديني ليس شعارًا يُرفع، بل سلوكًا يُمارس، يعكس حقيقة إيماننا، ويمنح للعالم صورة مشرقة عن الإسلام كما هو: دين سلام، واحترام، وكرامة للإنسان أينما كان.







