
في مجتمعاتنا العربية، لا تزال بعض المعتقدات الشعبية تفرض حضورها في تفاصيل الحياة اليومية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالعاطفة والزواج. ومن أبرز المظاهر التي انتشرت بصمت بين النساء، لجوء بعض الزوجات إلى العرافات والمشعوذات أملاً في الحفاظ على أزواجهن أو استرجاع حب ضائع أو إصلاح علاقة زوجية متوترة.
لكن ما الذي يدفع المرأة المتعلمة أحيانًا إلى هذا السلوك؟ وما العواقب النفسية والاجتماعية والدينية لمثل هذه الممارسات؟
أولاً: الدافع النفسي والخوف من الفقد
تبدأ القصة غالبًا من شعور عميق بالتهديد أو الخوف من الخيانة أو الانفصال. عندما تشعر الزوجة بأن زوجها تغيّر أو ابتعد عاطفيًا، قد تدخل في دوامة من القلق والشكوك، فتلجأ إلى الحلول السحرية كملاذ أخير بعد فشل الحوار أو فقدان الثقة بالنفس.
تتصور أن العرافة تملك مفاتيح الغيب، وأن وصفاتها الغامضة قادرة على إعادة المياه إلى مجاريها.
لكن ما يغيب عنها هو أن هذه الخطوة، في جوهرها، ليست حلاً بل هروبًا من مواجهة الواقع.
ثانياً: استغلال الضعف العاطفي
العرافات يدركن جيدًا أن المرأة التي تأتي إليهن تكون في أضعف حالاتها النفسية.
فيستغللن هذا الانكسار العاطفي لترويج الخرافات وبيع الوهم تحت مسميات مثل “ربط الزوج”، “جلب المحبة”، أو “إرجاع الغائب”.
وغالبًا ما تبدأ القصة بطلب بسيط – شعرة من الزوج أو اسمه واسم أمه – لتتطور لاحقًا إلى ابتزاز مادي وروحي قد يصل إلى مبالغ طائلة أو طلب طقوس مهينة، مثل رش المقابر أو استعمال طلاسم غريبة.
ثالثاً: الخطر الديني والروحي
من منظور ديني، اللجوء إلى العرافة أو الساحرة يُعدّ من كبائر الذنوب.
ففي الحديث النبوي الشريف: “من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد”.
فالتعامل مع هؤلاء لا يجلب إلا البعد عن الله، والارتهان لأوهام لا تمتّ للواقع بصلة.
كما أن الاعتماد على السحر يفتح بابًا للوساوس والاضطرابات الروحية، وقد يُدخل صاحبه في سلسلة من الخوف والاعتماد المرضي على القوى المجهولة.
رابعاً: الأثر النفسي والاجتماعي
على المستوى النفسي: تدخل الزوجة في دوامة من التوتر والخوف والذنب، خصوصًا عندما لا تتحقق النتائج الموعودة.
على العلاقة الزوجية: تتحول الثقة إلى ريبة، والحب إلى تملك، والبيت إلى ساحة صراع خفي بين الحقيقة والوهم.
على المستوى الاجتماعي: قد تتعرض الزوجة للسخرية أو النبذ إذا انكشف أمرها، خصوصًا في المجتمعات المحافظة التي ترفض الشعوذة علنًا وإن كانت تتسامح معها سرًا.
خامساً: الطريق إلى الوعي والبديل الصحيح
الحب لا يُستعاد بالسحر، ولا يُبنى الزواج على الخداع.
الطريق الصحيح يبدأ من الحوار، والتقارب العاطفي، والاهتمام المتبادل، وليس من طقوس غامضة تجرّ المرأة إلى التعلق بالخرافة.
كما أن الاستشارة النفسية أو الأسرية أكثر جدوى وأمانًا، لأنها تُعيد ترتيب المشاعر وتُرمم الثقة بطريقة علمية وإنسانية.
تعاطي الزوجة للعرافات ليس مجرد تصرف عابر، بل صرخة داخلية تعبّر عن خوف، واحتياج، وجهل بالحلول الواقعية.
وما لم تواجه المرأة هذه المشاعر بوعي وإيمان وثقة بنفسها، فستظل رهينة الوهم الذي يزرعه من يستغل ضعفها.
فالزواج الناجح لا يحتاج إلى سحر، بل إلى صدق، وتواصل، وصبر، وإرادة مشتركة لبناء علاقة قائمة على الثقة لا الخرافة.







