
لا يزال اضطراب طيف التوحد يشكل لغزًا طبيًا واجتماعيًا رغم التقدم الكبير في الأبحاث النفسية والعصبية. يُعدّ التوحد اضطرابًا عصبيًا يؤثر على طريقة تفاعل الفرد مع العالم من حوله، ويظهر عادة في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، حيث تتجلى أعراضه في صعوبة التواصل اللفظي وغير اللفظي، والاهتمام المتكرر بسلوكيات معينة، وضعف في التفاعل الاجتماعي.
تقدّر منظمة الصحة العالمية أن طفلًا واحدًا من كل 100 طفل حول العالم مصاب بالتوحد بدرجات متفاوتة. وتؤكد الدراسات الحديثة أن التوحد ليس نتيجة لقاح أو تربية خاطئة كما كان يُعتقد في الماضي، بل هو اضطراب معقّد تُشارك فيه عوامل وراثية وبيئية، لم يتم تحديدها بشكل قاطع إلى اليوم. وقد بيّنت أبحاث متعددة، نُشرت في دوريات علمية مرموقة مثل The Lancet وJAMA Pediatrics، أن لا وجود لأي صلة بين اللقاحات كـ MMR وظهور أعراض التوحد، مفندة بذلك إحدى أكثر الشائعات انتشارًا بين الآباء.
يركز المختصون على أهمية التشخيص المبكر في تحسين فرص تطور الطفل، حيث إن التدخل المبكر بالبرامج السلوكية والتعليمية يمكن أن يحقق فرقًا كبيرًا في قدرة الطفل على التواصل والاندماج. كما تلعب الأسرة دورًا محوريًا في دعم الطفل من خلال توفير بيئة آمنة ومحفزة على التفاعل.
وفي ظل غياب علاج نهائي للتوحد، يبقى الأمل قائمًا في فهم أعمق لأسبابه وتوفير رعاية أكثر تخصيصًا لكل طفل حسب احتياجاته. ويُعدّ رفع الوعي المجتمعي وكسر حاجز الوصم تجاه المصابين بالتوحد خطوة ضرورية لتمكين هؤلاء الأطفال من حقهم في التعلم والحياة الكريمة.