
في مشهدٍ دبلوماسي لافتٍ ينسجم مع تحولات الشرق الأوسط الراهنة، تتحرك تركيا اليوم بخُطى تدريجية نحو تطبيق ما تُعرف داخلياً بـ «الخطوة السرّية» التي تُعِدّها لمعاقبة إسرائيل، قد تتجاوز مجرد دبلوماسية الحدود وتبلُغ مضمار التأثير الجيواقتصادي والعدالة الدولية. وتُشير تقارير متعددة إلى أن أنقرة شرعت في توسيع نطاق مقاطعتها للشريك الإسرائيلي، ليس فقط عبر إغلاق الأجواء والموانئ، بل بتفعيل إجراءات قانونية تجاه مسؤولين كبار، من خلال مذكّرات توقيف تصدرها نياباتها، في مسارٍ يُشبِه تحوّلاً في رؤية السلطة التركية، من سياسة عقوبات تقليدية إلى استراتيجية متعددة الأبعاد تجمع الاقتصاد والقانون والدبلوماسية في آن معاً. وتُضيف مصادر إقليمية أن أنقرة لا تكتفي بذلك، بل تشارك بفعالية في حراك عربي-إسلامي لدعم غزة، وتحشد شبكات ضغط متزايدة تتوازى مع الحراك اللوجستي التجاري. وتتوازن بين قطع السفن الإسرائيلية من الموانئ التركية ومنع حركة العبور التي تربطها بإسرائيل، وبين إيقاف التعاون التجاري المتبادل، وفي المقابل تطرح ملف تطبيع ما بعد الحرب في غزة كجزء من المنظومة الجديدة للضغط. ولا يُمكن تجاهل الأبعاد الرمزية لهذه الخطوة في توقيتها، حيث تقع ضمن لعبة إعادة تموضع تركيا كفاعل إقليمي أكثر فاعلية، يرفض البقاء محصوراً في إطار الوسيط فحسب، ويُطالب بدور مركزي في ضبط قواعد ما بعد المواجهة. وكما في كل استراتيجية تعطّلت خطوطها التقليدية، فإن “الخطوة السرّية” قد تحمل رسائل قوية إلى تل أبيب والغرب معاً بأن التحالفات السابقة لم تعد عصية على التحرّر من شروطها القديمة. وبينما لا تزال هذه الخطوة عنواناً تحليلياً أكثر من معادلة معلنة، فإن تحركات تركيا العملية حتى اللحظة تجعلها مرشّحة لتوجيه ضربة ذكية تحمل بُعداً طويل الأمد، تتجاوز اللحظة الحاسمة في غزة إلى بناء قواعد لمرحلة سياسية وأمنية جديدة. ومن ثم، فإن ما يجري ليس مجرد مناورة دبلوماسية أو إعلان مرحلي، بل إمكانية تحوّل استراتيجي في الموقف التركي نحو إسرائيل، وقد يفتح باباً جديداً في العلاقات الإقليمية، إذ تُعيد أنقرة صياغة أدواتها للضغط وإدارة النفوذ.







