
تُعدّ الدبلوماسية المغربية من أكثر الدبلوماسيات توازنًا وفاعلية في المنطقة الإفريقية والعربية، إذ نجحت المملكة خلال العقود الأخيرة في بناء شبكة واسعة من العلاقات الإقليمية والدولية القائمة على مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وتميزت السياسة الخارجية المغربية بالاستمرارية والواقعية، مع قدرة كبيرة على التكيف مع التحولات العالمية دون التفريط في الثوابت الوطنية، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية.
يرتكز التوجه الدبلوماسي المغربي على ثلاثة محاور رئيسية: العمق الإفريقي، الشراكة الأوروبية، والانفتاح المتعدد على القوى العالمية. فمنذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017، عملت الرباط على تعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي في القارة، عبر مشاريع كبرى في البنية التحتية والطاقة والفلاحة، وعبر استثمارات الشركات المغربية في غرب إفريقيا. وقد تحوّل المغرب إلى فاعل رئيسي في دعم التنمية الإفريقية، ليس فقط عبر التمويل، بل من خلال التعاون الأمني والديني، خصوصًا في مجالات محاربة الإرهاب والتطرف الديني عبر تكوين الأئمة والدعاة.
أما في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، فيحافظ المغرب على موقعه كشريك استراتيجي مميز، إذ يُعتبر من أكثر الدول استقرارًا في المنطقة، ويشكّل جسرًا حيويًا بين أوروبا وإفريقيا. تشمل هذه الشراكة ملفات متعددة، مثل مكافحة الهجرة غير النظامية، والطاقة المتجددة، والتجارة، والأمن البحري. وتُعدّ إسبانيا وفرنسا من أبرز شركاء الرباط الاقتصاديين، رغم ما تعرفه العلاقات أحيانًا من توترات ظرفية بسبب ملفات سياسية أو حقوقية.
في السنوات الأخيرة، اتجهت السياسة المغربية نحو تنويع الشراكات خارج الإطار التقليدي الأوروبي، حيث عززت الرباط علاقاتها مع الولايات المتحدة التي اعترفت عام 2020 بسيادة المغرب على الصحراء، ما مثّل إنجازًا دبلوماسيًا مهمًا. كما وسّع المغرب نطاق تعاونه مع الصين وروسيا والهند، في مجالات الصناعة والطاقة والبنية التحتية. هذا الانفتاح يعكس رغبة المغرب في ترسيخ موقعه ضمن النظام العالمي الجديد الذي يتجه نحو التعددية القطبية، دون الارتهان لأي محور بعينه.
إلى جانب ذلك، تلعب الدبلوماسية الدينية والثقافية دورًا محوريًا في السياسة الخارجية المغربية، إذ يوظف المغرب رصيده الحضاري والديني المعتدل كأداة قوة ناعمة لتعزيز صورته في إفريقيا والعالم العربي. ويُنظر إلى النموذج المغربي في تدبير الحقل الديني باعتباره مرجعًا في نشر قيم التسامح والوسطية، ما منح الرباط مكانة معنوية لدى عدد من الدول الإفريقية.
على المستوى العربي، يسعى المغرب إلى الحفاظ على سياسة متوازنة تجمع بين التضامن العربي والانفتاح الواقعي. فقد دعم الرباط عددًا من المبادرات العربية، وشارك في جهود الوساطة لتسوية أزمات المنطقة، مثل القضية الليبية، التي استضافت بشأنها سلسلة من اللقاءات بين الأطراف المتنازعة في مدينة بوزنيقة، ما جعل المغرب يُنظر إليه كوسيط نزيه وفاعل في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
في المقابل، تظل قضية الصحراء المغربية محور السياسة الخارجية للمملكة، إذ تُعدّ الركيزة الأساسية التي تُبنى عليها مواقف الرباط في المحافل الدولية. وقد حقق المغرب في هذا الملف نجاحات دبلوماسية مهمة، أبرزها توالي فتح القنصليات في مدينتي العيون والداخلة من قبل دول إفريقية وعربية وآسيوية، ما يُعدّ اعترافًا متزايدًا بشرعية الموقف المغربي. كما حظي مقترح الحكم الذاتي بدعم واسع من قوى دولية كبرى باعتباره حلًا واقعيًا وعمليًا للنزاع.
تعتمد الدبلوماسية المغربية كذلك على الاستباقية والبراغماتية في التعامل مع القضايا الإقليمية والعالمية، وهو ما جعلها تتجنب الانخراط في محاور أو تحالفات قد تضر بمصالحها. فالمغرب يتعامل مع أزماته الإقليمية بحذر دبلوماسي، مفضّلًا الحوار والتفاهم على المواجهة، كما يتبنى مقاربة تقوم على التعاون بدل الصدام في القضايا الحساسة مثل الهجرة والطاقة والأمن.
إن السياسة الدبلوماسية المغربية تُعد نموذجًا في الاستقرار والتوازن في عالم متغير، إذ تمكّنت من الجمع بين الواقعية السياسية والانفتاح الاقتصادي، وبين الثوابت الوطنية والتفاعل الإيجابي مع المتغيرات الدولية. هذه المقاربة مكّنت المغرب من ترسيخ موقعه كفاعل موثوق في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، وكشريك أساسي للقوى الكبرى في مجالات التنمية والأمن والاستقرار الإقليمي.











