تعليم

الذهب الذي وُلد من النار والماء… اكتشاف علمي مغربي يعيد رسم خريطة تكوّن المعادن في الأطلس الصغير

في إنجاز علمي مغربي لافت، كشف فريق بحثي وطني عن آلية جيولوجية نادرة لتكوّن الذهب في منجم ميلينت بمنطقة درعة السفلى غرب جبال الأطلس الصغير جنوب المغرب، في اكتشاف نُشرت نتائجه العلمية خلال ديسمبر 2025، مؤكِّداً الدور المتقدم للبحث الأكاديمي المغربي في مجال الجيولوجيا الاقتصادية.

ويقود هذا العمل الدكتور سعيد إلمن، أستاذ الجيولوجيا الاقتصادية بجامعة ابن زهر، رفقة فريق بحثي مغربي، حيث توصّلوا إلى أن ترسيب الذهب في منجم ميلينت نتج عن تفاعل استثنائي بين عنصرين متناقضين ظاهرياً: “النار والماء”. فالنشاط البركاني الحراري من جهة، والسوائل المائية الهيدروحرارية الساخنة من جهة أخرى، شكّلا معاً بيئة جيولوجية خاصة مكّنت من تركيز الذهب وترسيبه داخل الصخور.

ويتميّز منجم ميلينت بخصوصية علمية واضحة، إذ لا يشبه الرواسب الذهبية المعروفة في مناطق مغربية مجاورة، مثل منجم أزوكار نتيلي حيث يرتبط الذهب عادة بمعادن الكبريتيد. ففي ميلينت، يرتبط المعدن النفيس بعمليات هيدروحرارية مركّبة تتداخل فيها التأثيرات البركانية مع حركة السوائل المعدنية الساخنة داخل صخور قديمة، وهو نمط نادر نسبياً في شمال إفريقيا.

ويقع المنجم ضمن حزام جيولوجي عريق غني بالمعادن في الأطلس الصغير، وهي منطقة عُرفت تاريخياً بتعقيدها البنيوي وتنوّعها الصخري. وقد ساهمت التفاعلات الكيميائية والحرارية بين الصخور البركانية والسوائل المائية الساخنة في خلق ظروف مثالية لترسيب الذهب عبر الزمن الجيولوجي الطويل.

وانطلق هذا البحث بشكل منهجي منذ سنة 2022، حيث باشر الفريق إعداد خرائط جيولوجية دقيقة وجمع عينات ميدانية من المنطقة. وفي 2023، أُنجزت تحليلات مجهرية متقدمة مكّنت من فهم البنية المعدنية الدقيقة للرواسب. أما في 2024، فقد جرى الاعتماد على صور الأقمار الصناعية وتقنيات الاستشعار عن بعد لتعزيز القراءة الميدانية. وتُوّج هذا المسار العلمي بنشر النتائج سنة 2025 في مجلة علمية محكّمة مرموقة هي Journal of African Earth Sciences.

وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه اكتشافاً علمياً بحتاً يركّز على فهم آليات تكوّن الذهب في البيئات الجافة وشبه الصحراوية بالمغرب، ولا يتعلّق بالإعلان عن احتياطات تجارية ضخمة. وهو بذلك يختلف عن بعض الاكتشافات ذات الطابع الاقتصادي التي أُعلن عنها خلال 2025 في مناطق مثل كلميم أو تنغير، والتي ركّزت على كميات الذهب وإمكانيات الاستغلال المنجمي.

ويرى الباحثون أن نتائج هذه الدراسة تفتح آفاقاً جديدة أمام الاستكشاف المعدني في جنوب المغرب، من خلال إعادة توجيه البحث نحو مناطق قد تكون أهملت سابقاً لعدم انطباق النماذج التقليدية لتكوّن الذهب عليها. كما تعزّز هذه النتائج المكانة العلمية للمغرب في مجال الجيولوجيا الاقتصادية، وتؤكد قدرة الكفاءات الوطنية على الإسهام في تطوير المعرفة الجيولوجية على المستوى القاري والدولي.

ويظل هذا الاكتشاف، كما شدّد عليه القائمون عليه، لبنة علمية أساسية لفهم تاريخ الأرض في الأطلس الصغير، ودعامة معرفية قد تُستثمر مستقبلاً في سياسات الاستكشاف المعدني، دون خلط بين البحث العلمي الرصين والرهانات الاقتصادية المباشرة.

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا