
يشهد الشرق الأوسط تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق بين إسرائيل وإيران، بعد أن نفذت تل أبيب هجمات جوية دقيقة ضد مواقع عسكرية ونووية داخل العمق الإيراني في إطار ما وصفته بعملية استباقية لمنع طهران من الوصول إلى العتبة النووية. الضربات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل قادة بارزين في الحرس الثوري وعلماء بارزين في البرنامج النووي الإيراني، وردّت طهران بإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، في واحدة من أكبر موجات التصعيد بين الطرفين في تاريخ المنطقة الحديث.
الولايات المتحدة، ورغم عدم تدخلها عسكريًا بشكل مباشر حتى الآن، تلعب دورًا بالغ التأثير عبر تقديم دعم استخباراتي وتقني لإسرائيل، بينما تتبنى خطابًا مزدوجًا يمزج بين التهديد والتهدئة. إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصدرت تحذيرات شديدة اللهجة لطهران بضرورة عدم استهداف المصالح الأمريكية، مشيرة إلى أن تجاوز “الخطوط الحمراء” سيستدعي تدخلًا مباشرًا. في المقابل، أظهرت أطراف داخل الكونغرس تحفظًا على أي خطوات قد تقود البلاد نحو حرب جديدة، مما يعكس الانقسام الداخلي في واشنطن.
في خضم هذا التصعيد، صدرت إدانات عربية وإسلامية واسعة للهجمات الإسرائيلية، حيث عبرت 21 دولة في بيان مشترك عن تضامنها مع إيران ورفضها لاستخدام القوة، بينما تمارس دول مثل قطر، السعودية، وسلطنة عمان ضغوطًا على واشنطن للضغط على إسرائيل من أجل وقف التصعيد. غير أن هذه الدول لم تتبنّ أي دعم عسكري أو لوجستي مباشر لطهران، بل تسعى إلى تجنب الانخراط في صراع يمكن أن يمتد إلى أراضيها.
أما باكستان، فقد أبدت دعمًا دبلوماسيًا صريحًا لإيران، معتبرة أن لها الحق في الدفاع عن نفسها، في وقت نفت فيه تقارير إيرانية تحدثت عن استعداد إسلام آباد لاستخدام قدراتها النووية دعماً لطهران. الموقف الباكستاني يعكس رغبة في الحفاظ على توازن صعب بين التضامن الإسلامي وعدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية واسعة قد تضر باستقرارها الداخلي.
وسط هذه التعقيدات الجيوسياسية، بات من الواضح أن طول أمد الحرب بين إسرائيل وإيران ستكون له انعكاسات اقتصادية خطيرة، خاصة على سلاسل الإمدادات النفطية التي تمر عبر مضيق هرمز، شريان الطاقة العالمي. أي اضطراب في الملاحة أو في صادرات النفط الإيراني والخليجي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، وهو ما سينعكس مباشرة على معدلات التضخم التي بدأت أصلاً في الصعود منذ الحرب الروسية الأوكرانية. المؤسسات المالية الدولية حذّرت من موجة ركود جديدة قد تعصف بالاقتصاد العالمي إذا ما استمر الصراع وتوسع نطاقه ليشمل أطرافًا أخرى أو ساحات جديدة، مما يعيد إلى الأذهان صدمات أسواق الطاقة في سبعينيات القرن الماضي.
الصراع القائم لا يُنذر فقط بخطر أمني في منطقة ملتهبة، بل بزلزال اقتصادي وجيوسياسي قد يُغيّر توازن القوى العالمي. وبينما يستمر إطلاق الصواريخ، تترقب العواصم الكبرى ما إذا كانت الحرب الحالية ستبقى ضمن الحدود الجغرافية، أم أنها بداية لانفجار إقليمي واسع النطاق يتجاوز الشرق الأوسط ليطال الاقتصاد والاستقرار العالمي برمّته.