
في ظل مشهد إقليمي متأزم وواقع داخلي لبناني هش، عادت الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السادس من أغسطس 2025 لتدكّ مناطق مأهولة في جنوب لبنان، مستهدفة بلدات كـ”يحمر الشقيف”، و”عدشيت القصير”، و”دير سريان”، ما أسفر عن إصابات في صفوف المدنيين وتدمير منشآت بعضها محاذٍ لمنازل مكتظة. وتزامنت هذه الغارات مع تعذر فرق الإطفاء والإسعاف عن الوصول السريع إلى مواقع الاستهداف، ما أثار مجددًا تساؤلات حول مدى التزام إسرائيل بقواعد الاشتباك وقوانين الحرب التي تحظر تعريض المدنيين للخطر المباشر.
وفي معرض تبرير الغارات، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن العملية الجوية استهدفت “بنى تحتية عسكرية لحزب الله في جنوب لبنان”، مشيرًا إلى أن الضربات جاءت ردًا على أنشطة عدائية استهدفت الأراضي الإسرائيلية في الأيام الأخيرة. واعتبر الجيش أن هذه المواقع تُستخدم لتخزين الأسلحة وتسهيل العمليات ضد إسرائيل، مؤكدًا أن الهجمات ستتواصل “ما دام التهديد مستمرًا”. غير أن مصادر ميدانية لبنانية أكدت أن الضربات طالت مناطق مدنية، وأن مزاعم وجود بنية عسكرية داخل التجمعات السكنية لا تجد ما يبررها من الأدلة على الأرض.
تأتي هذه الغارات في سياق تصعيد شبه يومي منذ انتهاء الحرب الأخيرة على غزة ووقف إطلاق النار الهش الذي وُقّع أواخر عام 2024، لكن سرعان ما تحوّل الجنوب اللبناني إلى ساحة خلفية لتبادل الرسائل النارية بين تل أبيب وحزب الله. وعلى الرغم من محاولات التهدئة التي تقودها أطراف دولية، فإن الواقع الميداني ينذر بانفجار أوسع، خاصة في ظل تعاظم الخطاب التحذيري من قادة المقاومة، الذين أكدوا أن أي عودة لشنّ حرب شاملة سيقابل بسيل من الصواريخ التي “ستنهي الأمن الإسرائيلي في غضون ساعة”.
المفارقة أن هذه التطورات تتزامن مع ضغوط لبنانية داخلية وخارجية نحو نزع سلاح الفصائل المسلحة غير الخاضعة للدولة، استنادًا إلى القرار الدولي 1701، حيث كُلّف الجيش اللبناني مؤخرًا بوضع خطة شاملة لتحقيق هذا الهدف. لكن حزب الله يرفض بشكل قاطع هذه الخطوة، معتبراً إياها خضوعًا لمشيئة إسرائيل ومصادرة لحق لبنان في الدفاع المشروع. وبين نار التصعيد الإسرائيلي، وضغط نزع السلاح، يجد لبنان نفسه على مفترق طرق خطير، قد ينزلق به إلى مواجهة مفتوحة أو إلى إعادة رسم توازنات الداخل والخارج.
إن تكرار هذه الغارات، وتوسع رقعتها، والتقاطع الحاد بين مواقف الفرقاء السياسيين والعسكريين، يكشف عن هشاشة الاستقرار اللبناني وغياب أي ضمانات حقيقية لحماية المدنيين. وفي ظل تصاعد اللهجة العدائية، وتكثيف الاستهدافات الجوية، تبقى المخاوف مشروعة من أن يكون الجنوب مجرد شرارة أولى في نيران إقليمية قد تتسع دوائرها بسرعة، ما لم تتدارك القوى الكبرى خطورة اللحظة، وتفرض حلاً يراعي سيادة لبنان ويكفّ يد الاحتلال عن مغامراته العدوانية.