برامجتعليم

القوة ألف: اللحظة التي تكتشف فيها أن عقلك أقوى مما كنت تظن

لا أحد يخبرك في طفولتك أن بداخلك مفتاحًا سريًا، زرًا خفيًا إن ضغطت عليه في اللحظة الصحيحة تغيّر كل شيء. يكبر الإنسان وهو يظن أن قوته في عضلاته، في ماله، في علاقاته، في منصبه… لكنه ينسى أعظم قوة وُضعت في داخله منذ الولادة: عقلُه حين يدخل حالة “القوة ألف”. إنها تلك اللحظة الغامضة بين اليقظة والنوم، بين التوتر والهدوء، حيث يصبح العقل طوع إرادتك، وتتحول الفكرة من مجرد حلم إلى برنامج يُنفّذ بداخلك دون مقاومة.

في هذه الحالة، لا يعود الخوف سيد الموقف، ولا يعلو صوت القلق على صوت التركيز. يصبح الدماغ كمرآة صافية، يستقبل ما يُلقى فيه بلا تشويش، بلا صراع، بلا ضجيج. هنا بالضبط تُزرع القناعات، وتُعاد كتابة التصورات، ويتحوّل الماضي من عبء إلى تجربة، ويتحوّل المستقبل من غموض إلى صورة يمكن رسمها بدقة. من يدخل “القوة ألف” لا يفكر فقط بشكل أفضل، بل يشعر بشكل أعمق، ويتخيل بشكل أوضح، ويقرر بشكل أقوى.

الغريب أن هذه الحالة ليست امتيازًا للمتصوفة أو العباقرة أو أصحاب الأسرار الكبرى، بل هي حالة طبيعية يمر بها الإنسان يوميًا دون أن ينتبه إليها: لحظات السكون قبل النوم، دقائق الشرود الهادئ، لحظة الاسترخاء العميق بعد إرهاق طويل. الفرق الوحيد أن البعض يترك هذه اللحظات تمر بلا وعي، فيما يتعلم آخرون كيف يقتنصونها ويسيطرون عليها، فيحوّلونها إلى أداة لإعادة تشكيل ذواتهم من الداخل.

في “القوة ألف” يتوقف الصراع الداخلي، ويصمت ذلك الصوت الذي يردد: “أنت لا تستطيع… أنت فشلت… لن تنجح”. هنا يصبح العقل مثل أرض خصبة، كل ما تُلقي فيه ينمو، فكرة كانت أو خوفًا أو أملًا أو حلمًا. ولهذا بالضبط تُعد هذه الحالة أخطر لحظة في حياتك: إما أن تستعملها لتقوية نفسك، أو تُترك لتعمل ضدك دون أن تشعر. فالعقل في حالة ألفا لا يُجادل، لا يُحلل، لا يعارض… بل يستقبل فقط.

ولأن القوة الحقيقية لا تكون في المعرفة وحدها بل في حسن استخدامها، فإن الاستفادة من “القوة ألف” لا تحتاج طقوسًا معقّدة ولا أدوات غامضة، بل تحتاج فقط وعيًا باللحظة. كل ما عليك فعله أن تختار قصدك قبل أن تدخل هذه الحالة: أن تحدد ما تريد غرسه في داخلك وأنت في ذروة الهدوء. حين تجلس وحدك، وتغلق عينيك، وتهدئ تنفّسك، وتترك جسدك يسترخي، تكون قد اقتربت من البوابة. هناك، لا تُكثر من الطلبات، ولا تُربك عقلك بعشرات الأمنيات، بل ركّز على فكرة واحدة، واضحة، قصيرة، مشحونة بالإحساس، ورددها بداخلك كما لو أنها قد تحققت بالفعل. في تلك اللحظة لا تطلب، بل تعيش الشعور.

السرّ ليس في الكلمات، بل في الإحساس المصاحب لها. فالعقل في حالة ألفا لا يفهم المنطق، بل يفهم الصور والشعور. إذا أردت القوة، اشعر بها. إذا أردت الطمأنينة، تنفّسها. إذا أردت النجاح، تصرّف داخليًا كأنك بلغت قمته. هذه الدقائق القليلة، إن استُعملت يوميًا، تتحوّل مع الوقت إلى إعادة برمجة كاملة لطريقة تفكيرك، لرؤيتك لنفسك، لحدودك التي كنت تظنها نهائية وهي لم تكن سوى جدران وهمية.

وهنا يكمن الخطر نفسه الذي منه تولد القوة: لأن العقل في هذه الحالة لا يفرّق بين ما هو نافع وما هو هادم، فإن الخوف المُكرّر فيها يتحول إلى قناعة، كما يتحول الأمل المُكرّر إلى واقع داخلي جديد. لذلك، أنت لا تستفيد من “القوة ألف” فقط حين تستعملها بوعي، بل تحمي نفسك منها أيضًا حين ترفض أن تترك فيها مساحات للشك، للذل، وللصوت الذي يقلل من قيمتك.

كم من إنسان غيّر مسار حياته لأنه قرر أن يستغل هذه اللحظة؟ وكم من إنسان بقي أسير الشك لأنه لم يعرف يومًا أن السيطرة على الواقع تبدأ من السيطرة على تلك الدقيقة الصامتة في داخلك؟ “القوة ألف” ليست خرافة، لكنها أيضًا ليست لعبة. إنها سلاح ذو حدّين، يُعيد بناءك أو يُثبّت قيودك، بحسب ما تودّ أن تزرع في عمقك وأنت في أضعف حالات المقاومة وأقواها في آن واحد. إنها لحظة كتابة، إما أن تكتب فيها مستقبلك بيدك، أو يُكتب عليك دون أن تشعر.

حين تدخل هذه الحالة، لا يعود عقلك مجرد أداة تفكير، بل يتحول إلى غرفة قيادة. هناك فقط تدرك أن النجاح لا يبدأ من الخارج، وأن الهزيمة الحقيقية ليست في السقوط، بل في أن تُغلق على نفسك باب تلك اللحظة التي تستطيع فيها أن تعيد تعريف ذاتك من جديد. “القوة ألف” ليست مجرد حالة ذهنية… إنها لحظة القرار بين أن تبقى كما أنت، أو أن تصبح الشخص الذي كنت تخاف أن تحلم به.

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا