افتتح المجلس الأعلى للسلطة القضائية اليوم، الجمعة 18 أبريل 2025، برنامجه التواصلي بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بتقديم حصيلة إنجازاته، ومناقشة آفاق برامجه المستقبلية.
*استقلال القضاء… قضية وطنية*
وفي مداخلة له بالمناسبة، اعتبر الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، السيد منير المنتصر بالله أن المجلس يعتبر مشاركته بالمعرض مجالا لحوار حيوي بين العدالة والمجتمع، للوقوف على مسيرة إصلاح تعانق فيها القيم الدستورية تطلعات المواطن، بفضل التوجيهات السديدة لجلالة الملك الذي حدد للقضاء مهمة نبيلة بأن يكون في خدمة المواطن، معتبرا أن اللقاء يشكل مناسبة لاستعراض مسيرة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، منذ إحداثه كهيئة دستورية مستقلة، مروراً بمنجزاته الإصلاحية، وصولا إلى الآفاق الطموحة التي يرسمها في خريطة العدالة الوطنية.
وتوجه السيد الأمين العام باسم المجلس بالعرفان لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جعل من استقلال القضاء قضية وطنية، ومن العدالة ركيزة للتنمية والثقة.
*مسار استراتيجي…مؤشرات رقمية دالة*
وبعد استعراضه لاختصاصات المجلس التي رسخها دستور 2011 الذي لم يكن مجرد نقلة قانونية بل ثورة هادئة ارتقت بالقضاء من هامش السلطة إلى صميمها، أكد السيد منير المنتصر بالله أن المجلس رسم لنفسه على امتداد السنوات الأربع الأولى من ولايته (2021-2024) مسارا استراتيجيا يرتكز على النجاعة والرقمنة والانفتاح، تمخض عنه 20 قرارا استراتيجيا في مجال التنظيم القضائي وتعزيز آليات الحكامة، و9 اتفاقيات شراكة دولية تم توقيعها مع هيئات عليا ومجالس قضائية من أوروبا وآسيا.
وكشف السيد الأمين العام عن إطلاق المجلس 6 منصات رقمية لخدمة القضاة والمتقاضين من بينها البوابة القضائية للمملكة التي تضم 43485 اجتهادا قضائيا منشورا، ومنصة للتظلمات والشكايات والنظام الرقمي لتقييم الأداء القضائي، ومجلة قضائية وطنية توثق للمسار المؤسسي والحقوقي الوطني وتواكب الإنتاج الفقهي والقضائي، فضلا عن 23 دورة تكوينية متخصصة نظمت لفائدة القضاة في مجالات العقوبات البديلة، القضاء التجاري والإداري، والجرائم المالية، 59 مهمة تفتيش وتأطير قامت بها المفتشية العامة للشؤون القضائية، ضمن رؤية إصلاحية شاملة تهدف إلى ضمان جودة الأداء القضائي.
واستعرض السيد الأمين العام مؤشرات رقمية دالة همت تدبير الوضعية المهنية للقضاة، وأداء المحاكم والتطوير المؤسساتي والرقمي، وأوراش المجلس في مجال ترسيخ أخلاقيات المهنة، والتكوين المتخصص.
وقال السيد الأمين العام إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية لا ينظر إلى الإصلاح كحزمة قرارات ظرفية، بل كمشروع حضاري يتطلب رؤية استراتيجية ومأسسة للنجاعة. وسنة 2024 هي شاهد على هذا التوجه، أما السنوات المقبلة، فإنها ستكون لا محالة موعدا مع مزيد من التحولات، في سبيل عدالة دستورية حديثة، مستقلة، ناجعة، ومنفتحة على قضايا المجتمع وهموم المواطن.
*9 سنوات من التأسيس*
من جانبه قسم شكير فتوح، مدير قطب الدراسات والشؤون القانونية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، المراحل التي عرفها المجلس منذ إحداثه سنة 2017 إلى ثلاث مراحل أساسية، تمتد الأولى من سنة التأسيس إلى سنة 2021، تم خلالها وضع اللبنات الأولى والأساسية لهذه السلطة الجديدة، بينما عرفت الثانية بمرحلة استكمال البناء المؤسساتي للسلطة القضائية، وخلالها تم استكمال إصدار النصوص القانونية المؤطرة لعمل السلطة القضائية، وتمكين المجلس من الآليات التي تكفل له ممارسة مهامه بشأن الإشراف على الشأن القضائي بالمملكة، وتتبع عمل المحاكم واتخاذ التدابير اللازمة لتطوير الأداء القضائي وتجويده.
وقال السيد شكير فتوح إن المرحلة الثالثة هي المرحلة الحالية، وخلالها فتح المجلس اوراشاً استراتيجية كبرى ومهيكلة ترمي إلى تنزيل الرؤية الملكية السديدة في مجال إصلاح القضاء، لجعله عاملاً محفزاً للتنمية، وإنجاح النموذج التنموي الجديد.
وهمت الأوراش، يضيف المتحدث، مجال النجاعة القضائية، حيث انكب المجلس على تنزيل مبدأ الأجل المعقول، محددا آجالا استرشادية للبت في القضايا، ومجال التحديث والرقمنة، ومجال التكوين، ومجال التواصل، فضلا عن تعزيز تواجد المجلس في المشهد المؤسساتي.
*الاستثمار في الإنسان*
واعتبرت السيدة أمال لمنيعي، رئيسة قطب التكوين والتعاون بالمجلس أن العنصر البشري هو جوهر كل إصلاح، وعموده الفقري، انطلاقا من إيمان المجلس إيمانًا راسخًا بأن الاستثمار الحقيقي، هو الاستثمار في الإنسان أي في القاضي، ليس فقط لأنه من يمارس مهمة القضاء، ولكن لأنه الشريك الأساسي في تنزيل رؤية عدالة حديثة، فعالة، وإنسانية، مضيفة أن الثقة في القضاء لا يمكن أن تتحقق دون الثقة في القاضي.
واعتبرت السيدة لمنيعي أن التكوين المستمر والتخصصي، هو المفتاح لترسيخ هذا النموذج، وتقوية أسسه، وتمكين القاضي من تملك الأدوار الجديدة المنوطة به في ظل عدالة متجددة ومتطورة، مستدركة قولها بالتأكيد على أن التكوين ليس محطة عابرة، بل مسار مستمر لصقل الكفاءات، وتعزيز القيم يبدأ من بداية الالتحاق بالمعهد كملحق قضائي إلى نهاية المسار المهني، وهو ما جسده المخطط الاستراتيجي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يؤكد على الاهتمام بالعنصر البشري وتقوية قدراته، وجسده تعديل الإطار القانوني للمعهد العالي للقضاء، وإحداث قطب التكوين والتعاون داخل المجلس، ووضع استراتيجية واضحة للتكوين الأساسي والمستمر والتخصصي.
*مظاهر الاستقلال المالي والإداري*
شكلت الندوة الافتتاحية للبرنامج التواصلي للمجلس بمعرض الكتاب مناسبة لحوار شفاف حول مظاهر الاستقلال المالي والإداري للمجلس، واعتبر السيد عبد القادر شيخي، رئيس شعبة الشؤون المالية للقضاة بالمجلس أن نجاح أية هيئة أو مؤسسة وكل جهة معهود لها بتدبير الشأن العام ، في تحقيق أهدافها بالفعالية والنجاعة المطلوبين ، رهين من جهة ، بحجم ونوعية الإمكانيات المادية والبشرية الموضوعة رهن إشارتها، وقدرتها على استغلال واستعمال هذه الإمكانيات بفعالية ووفق ضوابط وقواعد الحكامة الجيدة، مؤكدا ان دستور 2011 عزز استقلال السلطة القضائية بمنحها استقلالا ماليا وإداريا، عملا بأحكام الفصل 116 منه ، باعتباره من تجليات استقلال السلطة القضائية عموما.
وقدم شيخي عرضا مفصلا حول ميزانية المجلس ومراحل إعدادها ومجالات تنفيذها، مضيفا أن الموارد البشرية بالمجلس عرفت تطوراً ملحوظاً، خلال الفترة الممتدة من سنة 2017 إلى غاية سنة 2024، ذلك أن العدد الإجمالي للعاملين بالمجلس انتقل من 40 سنة 2017، مكونة فقط من قضاة وموظفين في وضعية إلحاق أو موضوعين رهن الإشارة، إلى 495 حسب آخر الإحصائيات المنجزة إلى غاية 2025/04/15، وذلك دون احتساب عناصر القوات المساعدة البالغ عددهم 90 عنصرا، ليكون بذلك المجموع الإجمالي هو 585.