
يعد محمد المختار السوسي أحد أبرز الشخصيات العلمية والأدبية في المغرب خلال القرن العشرين، حيث كان فقيهًا، مؤرخًا، أديبًا، وناشطًا وطنيًا. وُلد سنة 1900 في قرية إلغ بمنطقة سوس، وسط أسرة علمية تهتم بالعلوم الدينية واللغة العربية. كان والده من كبار العلماء، فحظي بتعليم ديني صارم منذ صغره، حيث بدأ حفظ القرآن الكريم في الكتاتيب قبل أن ينتقل إلى مراكش لمواصلة تعليمه، ثم التحق بجامعة القرويين في فاس، حيث نهل من علوم الفقه والأدب والتاريخ.
انخرط المختار السوسي في الحركة الإصلاحية التي قادها علماء المغرب، داعيًا إلى التجديد في التعليم والتمسك بالهوية الإسلامية والعربية للمغرب. لم يكن مجرد عالم منعزل في أروقة المكتبات، بل كان رجل ميدان ومقاومة، حيث لعب دورًا بارزًا في الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار الفرنسي. بسبب نشاطه السياسي والفكري، تعرض للسجن والنفي، لكنه استمر في نشر الوعي الوطني والثقافي، مؤمنًا بأن تحرير العقول هو مقدمة لتحرير الأوطان.
كرّس المختار السوسي حياته لجمع وتوثيق التراث المغربي، خاصة تاريخ منطقة سوس، التي كانت تعاني من التهميش في المصادر التاريخية. أنتج أعمالًا موسوعية، أهمها كتابه الضخم “المعسول”، الذي يتألف من عدة مجلدات، ويُعد مرجعًا لا غنى عنه في تراجم العلماء والأدباء السوسيين. كما ألف كتبًا أخرى مثل “سوس العالمة”، الذي يوثق الحركة العلمية في المنطقة، و**”رجالات العلم العربي في سوس”**، الذي يتناول سير العلماء المغاربة بأسلوب دقيق ومفصل. لم تقتصر مؤلفاته على التاريخ والتراجم، بل كتب أيضًا في الأدب، الفقه، والشعر، مما جعله أحد أهم المفكرين الموسوعيين في المغرب الحديث.
ظل المختار السوسي وفيًا لرسالته العلمية حتى وفاته سنة 1963، تاركًا وراءه إرثًا فكريًا غنيًا لا يزال مصدرًا أساسيًا للباحثين في التاريخ المغربي. شكلت كتاباته جسرًا يربط الماضي بالحاضر، وساهمت في حفظ جزء مهم من الهوية الثقافية المغربية، خاصة في منطقة سوس التي كادت تُطمس معالمها بسبب التهميش والإهمال. رغم مرور عقود على رحيله، لا تزال أعماله تشكل مرجعًا أساسيًا لكل من يرغب في دراسة التاريخ المغربي من منظور عميق وموثق.