عالم المرأة

المرأة عبر التاريخ والشرائع القديمة: بين التقديس والتهميش

زينب السايح

لم تكن صورة المرأة عبر التاريخ ثابتة ولا موحّدة، بل ظلّت تتأرجح بين التقديس في بعض الحضارات، والتهميش في أخرى، وبين الاعتراف بإنسانيتها الكاملة أحيانًا، وتحويلها إلى كائن تابع في أحيان كثيرة. فالشرائع القديمة، الدينية منها والوضعية، شكّلت الإطار الذي حدد موقع المرأة وحقوقها وواجباتها داخل المجتمع، وفق تصورات كل عصر لطبيعة الوجود والسلطة والأسرة.

في الحضارات القديمة، كانت مكانة المرأة متفاوتة بحدة. ففي مصر الفرعونية، حظيت المرأة بمكانة متقدمة مقارنة بغيرها من الحضارات، حيث امتلكت حق التملك، والتصرف في أموالها، وطلب الطلاق، بل واعتلت العرش كما حدث مع الملكة حتشبسوت وكليوباترا. وكانت تُعد شريكًا للرجل في الحياة الدينية والاجتماعية والقانونية.

أما في بلاد الرافدين، وتحديدًا في شريعة حمورابي، فقد وُضعت المرأة ضمن إطار قانوني صارم؛ فمنحت بعض الحقوق في الزواج والميراث، لكنها خضعت أيضًا لعقوبات قاسية في حال الخيانة أو العصيان، ما يعكس نظرة مزدوجة تجمع بين التنظيم والوصاية.

في اليونان القديمة، تراجعت مكانة المرأة بشكل لافت، حيث عاشت في ظل عزلة اجتماعية شديدة، ولم تكن تشارك في الحياة السياسية، واعتُبرت في الغالب تابعة للرجل، باستثناء بعض الحالات الخاصة في إسبرطة. أما في روما القديمة، فقد تحسنت أوضاعها نسبيًا، إذ امتلكت شخصيتها القانونية جزئيًا، لكن بقيت تحت سلطة الأب أو الزوج.

في الشرائع الدينية القديمة، نجد أن التوراة نظّمت حياة المرأة داخل بني إسرائيل ضمن إطار أسري أبوي، حيث وُضعت مسؤوليات كبيرة على المرأة داخل البيت، ومنحت بعض الحقوق، كالميراث في حالات محددة، لكنها ظلّت خاضعة لسلطة الرجل في أغلب التفاصيل. أما في المسيحية المبكرة، فقد تأثرت صورة المرأة بالسياقات الاجتماعية الرومانية، فتأرجحت بين التقديس الرمزي للمرأة الطاهرة، وتقييد دورها الاجتماعي والسياسي.

وجاء الإسلام في بيئة كانت المرأة فيها تُورث وتُدفن حيّة في بعض القبائل، ليُحدث تحولًا جذريًا في وضعها القانوني والإنساني، حيث منحها حق الحياة، وكرامة الإنسان، وحق التملك، والميراث، واختيار الزوج، واعتبارها شريكة في التكليف والمسؤولية، لا تابعة ولا سلعة. غير أن الممارسات الاجتماعية عبر العصور لم تكن دائمًا على مستوى هذا التحول التشريعي، مما خلق فجوة بين النص والتطبيق.

أما في الشرائع الوضعية القديمة، فقد خضعت المرأة لسلطة الدولة والعرف في آن واحد، وغالبًا ما كانت تُستعمل كأداة للتحالفات السياسية، من خلال الزواج، أو كوسيلة للحفاظ على النسب والمُلْك، أكثر من كونها كيانًا مستقلًا بذاته.

يتضح أن المرأة قديمًا لم تكن فقط ضحية التهميش، بل كانت أيضًا في بعض الحضارات رمزًا للخصب والسلطة والحكمة، قبل أن تتراجع مكانتها مع صعود الأنظمة الأبوية الصارمة. وتبقى دراسة وضع المرأة في الشرائع القديمة مرآة حقيقية لفهم تطور العقل الإنساني ونظرته للعدالة والكرامة والمساواة.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا