
يشهد المغرب مرحلة حاسمة في تاريخه الاقتصادي والسياسي، حيث تتقاطع تحديات داخلية مع تطورات إقليمية ودولية تؤثر على مسار التنمية والاستقرار. فعلى الصعيد الاقتصادي، أظهر المغرب قدرة على التعافي بعد تداعيات جائحة كوفيد-19، حيث سجل معدل نمو بلغ 3.4% في 2023، مدعوماً بانتعاش السياحة وازدهار قطاعي السيارات والطيران. ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا يزال الاقتصاد يواجه تحديات كبرى، أبرزها ارتفاع معدل البطالة إلى 12.3%، مع تسجيل نسب مقلقة بين الشباب بلغت 29.9%، فضلاً عن معدل تضخم بلغ 5.6% أثّر على القدرة الشرائية للمواطنين، لا سيما في المناطق القروية.
من جانب آخر، تعمل الحكومة على تعزيز مناخ الأعمال عبر إصلاحات تشريعية وهيكلية تهدف إلى جذب الاستثمارات وتحفيز القطاع الخاص. في هذا السياق، شملت المدونة العامة للضرائب لعام 2025 تعديلات تهدف إلى تبسيط النظام الجبائي وتعزيز الشفافية المالية. غير أن القطاع الخاص لا يزال يواجه تحديات تعيق قدرته على خلق فرص عمل مستدامة، رغم مبادرات حكومية مثل برنامج “أوراش”، الذي يسعى إلى توفير 250,000 فرصة عمل مؤقتة.
أما على الصعيد السياسي، فإن المغرب مستمر في تعزيز استقراره الداخلي عبر إصلاحات تشريعية تهدف إلى تحديث الإدارة وتعزيز الحكامة. في الوقت ذاته، يواصل تأكيد سيادته على الصحراء المغربية، مستنداً إلى الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية المنطقة، ما يعزز موقفه في الساحة الدبلوماسية.
ورغم أن التوقعات تشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي إلى 2.9% في 2024، فإن التحسن المتوقع في الأداء الزراعي والانتعاش الاقتصادي العالمي قد يدفع النمو إلى 4.6% بحلول 2025. ومع استمرار الحكومة في تبني سياسات إصلاحية، يظل التحدي الأكبر هو تحقيق تنمية شاملة تضمن عدالة اجتماعية، تقلص الفوارق، وتعزز قدرة المغرب على المنافسة في الاقتصاد العالمي. في ظل هذا المشهد المعقد، يظل المغرب أمام فرصة تاريخية لترسيخ استقراره وتحقيق قفزة اقتصادية نوعية، شريطة تبني استراتيجيات أكثر طموحاً وشمولية.