
هل تعلم أن المغرب، الذي كان يُعرف قبل عقود ببلد الفلاحة والسياحة، أصبح اليوم أحد أبرز الدول الإفريقية التي تمتلك برنامجًا فضائيًا متكاملًا يوازي في طموحه بعض الدول المتقدمة؟ هل تعلم أن المملكة المغربية أطلقت أول أقمارها الصناعية “محمد السادس-A” سنة 2017 و”محمد السادس-B” سنة 2018، وهما من أكثر الأقمار تطورًا في إفريقيا والعالم العربي من حيث دقة المراقبة والاستشعار عن بعد؟
هل تعلم أن المغرب يُعدّ من الدول القليلة في القارة التي تستخدم التكنولوجيا الفضائية لأغراض مدنية وأمنية في الوقت نفسه؟ فالأقمار المغربية تساهم في مراقبة الأراضي الزراعية، وتتبع التغيرات المناخية، ومراقبة الحدود، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، بل وحتى تتبع الكوارث الطبيعية بدقة عالية تساعد السلطات في اتخاذ قرارات سريعة وفعّالة.
هل تعلم أن المملكة أسست منذ سنة 1989 المركز الملكي للاستشعار عن بعد، وهو مؤسسة وطنية تُعدّ النواة الأولى للبرنامج الفضائي المغربي، ويعمل فيها باحثون ومهندسون مغاربة متخصصون في تحليل الصور الفضائية وتطوير تطبيقات عملية في مجالات الأمن والتنمية؟ وهل تعلم أن المغرب أطلق مبادرة رائدة تحت اسم “المبادرة المغربية للصناعة الفضائية” لتكوين جيل جديد من العلماء والمهندسين، ليصبح الفضاء جزءًا من مشروعه التنموي الشامل؟
هل تعلم أن المغرب يُعتبر اليوم من بين الدول الإفريقية القليلة التي تمتلك قدرة حقيقية على المراقبة عبر الأقمار الصناعية دون الاعتماد الكامل على شركاء خارجيين؟ وهذا ما منح الرباط مكانة استراتيجية في القارة، إذ أصبحت مزودًا رئيسيًا للصور الفضائية التي تُستخدم في التنمية وفي مجالات التعاون الإفريقي المشترك.
هل تعلم أن المغرب حين استثمر في الفضاء، لم يكن يبحث عن استعراض علمي أو سباق وهمي، بل عن سيادة علمية وأمنية وتكنولوجية تضمن له استقلالية القرار؟ فبفضل هذه الخطوة، أصبح المغرب يمتلك أداة استراتيجية لمراقبة مجاله الجغرافي ومتابعة تطورات حدوده الجنوبية والصحراوية بدقة متناهية.
هل تعلم أن اهتمام المغرب بالفضاء يتقاطع اليوم مع ما يُعرف بـ “حرب النجوم”، وهي المبادرة الأمريكية التي أُطلقت في ثمانينيات القرن الماضي لتطوير منظومات دفاعية فضائية ضد الصواريخ الباليستية؟ فبينما كانت تلك المبادرة رمزًا لسباق التسلح بين القوى الكبرى، يسعى المغرب في المقابل إلى استخدام الفضاء كمنصة للتنمية والاستقرار وحماية الأمن القومي دون الدخول في سباق تسلح.
هل تعلم أن الأمم المتحدة نفسها اختارت المغرب كنموذج في إفريقيا لتطوير “القانون الوطني للفضاء”، وأن مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) قدّم دعماً تقنياً للمملكة بهدف تنظيم أنشطتها الفضائية بشكل يتماشى مع القوانين الدولية ويعزز حضورها في المحافل العلمية العالمية؟
هل تعلم أن المغرب لا يكتفي بالاستفادة من الفضاء علميًا فقط، بل يسعى إلى بناء صناعة فضائية وطنية متكاملة تشمل التصميم، والمعالجة الرقمية، وتحليل الصور، والتطبيقات الذكية في الأمن والفلاحة والبيئة؟ فبين كل خطوة وأخرى، يقترب المغرب من تحقيق حلمه في أن يكون من رواد الفضاء في العالم النامي.
هل تعلم أن برنامج الفضاء المغربي يعكس فلسفة جديدة في السيادة، قوامها أن “من يملك المعلومة من الفضاء يملك القرار على الأرض”؟ فالأقمار الصناعية المغربية ليست مجرد عيون في السماء، بل أدوات سيادية تُسهم في حماية الوطن، وتخطيط المدن، وضبط الموارد، وتطوير مستقبل رقمي مستقل.
هل تعلم أن كل هذا التقدم لم يكن صدفة، بل ثمرة رؤية ملكية بعيدة المدى تؤمن بأن العلم هو أقوى أدوات القوة في القرن الحادي والعشرين، وأن الفضاء لم يعد ترفًا أو حلمًا، بل ضرورة استراتيجية لبناء دولة عصرية وفاعلة في محيطها الإقليمي والدولي؟
نعم، هل تعلم أن المغرب كتب اسمه في السماء بحروف من نور، حين قرر أن الفضاء ليس بعيدًا عن متناوله، وأن من ينظر إلى النجوم بعين العلم، سيصنع غدًا أفضل على الأرض؟








