سياحة

المغرب ومصر في صدارة السياحة العربية سنة 2024.. أرقام تكشف زعامة مزدوجة ومنافسة اقتصادية قوية

عرف القطاع السياحي في العالم العربي خلال سنة 2024 تنافسًا غير مسبوق بين قوتين سياحيتين كبيرتين هما المغرب ومصر، حيث سجّل البلدان أرقامًا قياسية عكست مكانتهما كأهم وجهتين سياحيتين في المنطقة من حيث الجاذبية والتنوّع والعائدات.

ففي المغرب، تحققت طفرة نوعية لافتة خلال سنة 2024، بعدما بلغ عدد السياح 18.4 مليون سائح، بعائدات قاربت 12.1 مليار دولار، وهو إنجاز يعكس التحول الكبير الذي عرفته السياحة المغربية خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بعوامل متعددة في مقدمتها التنوع الثقافي والحضاري، والبنية التحتية الجيدة، والموقع الجغرافي الفريد الذي يجمع بين سحر الشرق وحداثة الغرب، ما جعل المملكة وجهة مفضلة لملايين السياح من مختلف أنحاء العالم.
وفي المقابل، واصلت مصر ترسيخ موقعها كقوة سياحية كبرى في العالم العربي، بعدما استقبلت خلال السنة نفسها 16.7 مليون سائح، بعائدات بلغت ما يناهز 14 مليار دولار، وهو ما يجعلها المنافس العربي الوحيد للمغرب من حيث حجم التدفقات السياحية وقوة العائدات الاقتصادية.

ورغم أن المغرب تفوّق عدديًا من حيث عدد السياح، إلا أن المقارنة من زاوية المردودية المالية تكشف معطى بالغ الأهمية، يتمثل في أن معدل إنفاق السائح في مصر أعلى من المغرب، إذ يبلغ متوسط الإنفاق الفردي في مصر حوالي 950 دولارًا للسائح الواحد، مقابل 760 دولارًا فقط في المغرب. وهو ما يفسّر تفوق مصر في حجم العائدات رغم استقبالها عددًا أقل من الزائرين مقارنة بالمملكة.

هذا الفارق في العائدات، رغم تفوق المغرب في عدد الوافدين، يفتح نقاشًا عميقًا حول مردودية القطاع السياحي وجودة العائد الاقتصادي، إذ لا يكفي ارتفاع عدد السياح ما لم يواكبه ارتفاع في معدل الإنفاق الفردي. وهو ما يضع أمام الفاعلين في السياحة المغربية تحديات مرتبطة بإعادة النظر في سياسات التسعير، ونوعية الخدمات المقدمة، وتجويد تجربة السائح من لحظة الوصول إلى لحظة المغادرة.

كما أن التركيبة البشرية وأساليب التعامل وجودة الاستقبال تظل عنصرًا حاسمًا في قرار السائح بتمديد إقامته أو رفع مستوى إنفاقه، وهو ما يجعل الاستثمار في التكوين، وتأهيل الموارد البشرية، وترسيخ ثقافة الضيافة والمعاملة الحسنة ضرورة استراتيجية لرفع القيمة المضافة للقطاع. فالسائح كلما شعر بالراحة والأمان والاحترام، انعكس ذلك بشكل مباشر على حجم إنفاقه.

وفي المقابل، تواصل مصر الاستفادة من قوة علامتها السياحية عالميًا، ومن قدرتها على تحويل الوفود السياحية إلى عائد اقتصادي مرتفع، بفضل تنوّع المنتوجات السياحية، وقوة العرض، والخدمات المصاحبة، وهو ما يمنح تجربتها السياحية قوة اقتصادية حقيقية يمكن الاستفادة منها في تطوير النموذج المغربي، مع الحفاظ على خصوصية كل بلد وهويته الثقافية.
ورغم هذه المقارنات الرقمية، تبقى السياحة في البلدين قصة نجاح عربية بامتياز، حيث يجتمع في المغرب سحر المدن العتيقة، والتنوّع الطبيعي، والانفتاح الثقافي، بينما تجمع مصر بين عظمة الحضارة الفرعونية، وسحر النيل، وثراء الشواطئ، ما يجعل البلدين قطبين سياحيين متكاملين في المنطقة، وليس فقط متنافسين.

وتؤكد هذه الأرقام أن المنافسة بين المغرب ومصر ليست صراعًا، بل فرصة حقيقية للتطوير المشترك، ورافعة لتحسين الجودة، وابتكار عروض أكثر جاذبية، ورفع مردودية السياحة كأحد أهم محركات الاقتصاد، بما ينعكس إيجابًا على النمو وخلق فرص الشغل وتعزيز المكانة الدولية للبلدين.

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا