
في خطوةٍ تحمل دلالاتٍ استراتيجية عميقة، أعلن المغرب عن رفع ميزانية قطاعي الصحة والتعليم إلى 140 مليار درهم، أي ما يعادل 15 مليار دولار أميركي، ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026 الذي أقرّه المجلس الوزاري برئاسة الملك محمد السادس. القرار يعكس تحوّلًا واضحًا في أولويات الدولة، من التركيز على البنى التحتية إلى الاستثمار في الإنسان باعتباره المحرك الأول للتنمية المستدامة.
جاء هذا التوجه بعد نقاشٍ موسّع داخل المجلس الوزاري الذي حدّد التوجهات الكبرى لمشروع مالية 2026، مركزًا على تعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية، وتحسين جودة الخدمات العمومية، خاصة في المناطق القروية والجبلية التي ظلت لعقود تعاني من ضعف في التجهيزات والخدمات الأساسية. وأوضح البلاغ الرسمي أن هذا القرار يدخل في إطار رؤية ملكية متكاملة لبناء “مغرب صاعد” قائم على المساواة في الفرص وتكافؤ الولوج إلى التعليم والعلاج.
الميزانية الجديدة تمثل زيادةً بنحو 16 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية، وتشمل دعم البنية التحتية الصحية، وتوسيع برامج التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، إلى جانب تسريع تنفيذ إصلاح التعليم الذي يستهدف تقليص نسب الهدر المدرسي وتحسين جودة التكوين. كما تتضمن الخطة تعزيز التوظيف في القطاعات الاجتماعية وتطوير منظومات التكوين المهني المرتبطة بالاقتصاد الأخضر والرقمي.
اقتصاديًا، يرى خبراء أن تخصيص 140 مليار درهم لهذين القطاعين يؤشر إلى بداية مرحلة جديدة في السياسة المالية للمملكة، حيث يجري توجيه الموارد نحو المجالات التي تمس حياة المواطن اليومية، دون الإخلال بالتوازنات الماكرو اقتصادية. كما أن هذا القرار ينسجم مع توقعات النمو التي حددتها الحكومة بنحو 4.8 في المئة عام 2025، ما يمنح هامشًا ماليًا كافيًا لتعزيز الإنفاق الاجتماعي.
وتشير التقديرات إلى أن ما يقارب عُشر الناتج المحلي الإجمالي سيُوجَّه لقطاعي التعليم والصحة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الميزانيات المغربية الحديثة، يعكس إرادة سياسية لتجاوز العقبات البنيوية التي طالما واجهت المنظومتين. غير أن التحدي الحقيقي، كما يراه المراقبون، لا يكمن في حجم الاعتمادات المالية، بل في فعالية التنفيذ وحكامة التسيير وربط الإنفاق بنتائج ملموسة يشعر بها المواطن في المدرسة والمستشفى.
بهذا القرار، يواصل المغرب مسار الإصلاح الذي أطلقه الملك محمد السادس منذ سنوات، واضعًا العنصر البشري في قلب النموذج التنموي الجديد. إنها رسالة واضحة بأن الاستثمار في الإنسان المغربي هو الاستثمار في مستقبل الوطن، وأن التنمية الحقيقية تبدأ من القسم الدراسي وغرفة العلاج، لا من أرقام الموازنات فقط.











