
المكي الناصري (1911-1994) أحد أعلام الفكر الإسلامي والفقه والدعوة في المغرب خلال القرن العشرين. كان شخصية متعددة الأبعاد، جمع بين العمل الديني والإصلاحي والسياسي، وكان له دور بارز في النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، بالإضافة إلى مساهماته الفكرية التي أثرت المشهد الثقافي والديني في المغرب.
وُلد المكي الناصري في الرباط عام 1911 في أسرة علمية معروفة، ما جعله ينشأ في بيئة مشبعة بالمعرفة الدينية واللغوية. بدأ حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم واصل تعليمه في جامع القرويين بفاس، حيث تتلمذ على يد نخبة من علماء المغرب الكبار. أتاحت له هذه البيئة العلمية تكوينًا فقهيًا ولغويًا متينًا، مما ساعده لاحقًا في مسيرته الإصلاحية.
كان الناصري من الشخصيات الفاعلة في الحركة الوطنية المغربية، حيث انخرط في الكفاح ضد الاستعمار، وساهم في نشر الوعي الوطني من خلال الصحافة والخطابة والدروس العلمية. وكان من مؤسسي جمعية العلماء المغاربة التي سعت إلى مواجهة الاستعمار فكريًا وثقافيًا عبر نشر التعليم الديني وإحياء الهوية المغربية الإسلامية. كما ساهم في العديد من المبادرات الفكرية التي تهدف إلى تطوير الخطاب الديني بما يتلاءم مع مقتضيات العصر.
بعد الاستقلال، استمر المكي الناصري في العمل الفكري والعلمي، فكان من أبرز المساهمين في إصلاح التعليم الديني بالمغرب، وشارك في وضع الأسس الأولى لمؤسسات دينية وعلمية تهدف إلى تعزيز الهوية الإسلامية للبلاد. كما عُرف بمشاركته في الندوات والمحاضرات، حيث دعا إلى التجديد في الفكر الإسلامي، مع الحفاظ على الأصول الشرعية. لم يكن الناصري مجرد عالم ديني تقليدي، بل كان مفكرًا منفتحًا على القضايا المعاصرة، وسعى إلى تقريب العلوم الشرعية من عامة الناس عبر كتاباته وبرامجه الإعلامية.
ترك الناصري العديد من المؤلفات التي تناولت قضايا الفقه والتاريخ والفكر الإسلامي. من بين أعماله البارزة التفسير الحديث، الذي يُعدّ من أوائل التفاسير العصرية في المغرب، حيث حاول فيه تقديم قراءة معاصرة للقرآن الكريم تربط بين معانيه ومشكلات العصر. كما كتب عن قضايا الهوية الإسلامية، وناقش التحديات التي تواجه الفكر الإسلامي في ظل التحولات السياسية والاجتماعية. كانت مقالاته في الصحافة المغربية ذات تأثير كبير، حيث كان يعالج فيها قضايا المجتمع والدين بلغة واضحة وأسلوب مقنع.
توفي المكي الناصري عام 1994 بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والدعوي. وعلى الرغم من رحيله، لا يزال اسمه حاضرًا في الساحة الفكرية والدينية في المغرب، حيث يُستشهد بأفكاره في النقاشات حول قضايا الإصلاح الديني والتربوي. لقد شكل الناصري جزءًا من هوية المغرب الفكرية، وأسهم في رسم ملامح الفكر الإسلامي في البلاد، ليظل إرثه شاهدًا على دور العلماء في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم.