
يحل العاشر من غشت من كل سنة ليحمل إلى الواجهة حدثا وطنيا بامتياز، كرسه المغرب منذ سنة 2003 تكريما للجالية المغربية المقيمة بالخارج، اعترافا بإسهاماتها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في مسار التنمية الوطنية. غير أن هذه المحطة، التي تتزين بخطابات الشكر وصور الإمتنان وتلتئم حولها الندوات في قاعات مكيفة أو على منصات العروض الفنية، سرعان ما تتحول في نظر فئات واسعة من أبناء المهجر إلى مناسبة لتجديد طرح الأسئلة المؤجلة، وإعادة التذكير بمطالب قديمة لم تجد بعد طريقها إلى التفعيل الملموس.
وفي طليعة هذه المطالب، يبرز الحق في إدماج سياسي فعلي، يتجاوز حدود الشعارات، ويترجم إلى آليات عملية تمكن الجالية من ممارسة حقها الدستوري في التصويت والترشح من بلدان الإقامة، تفعيلا لما نص عليه دستور 2011، وتجاوزا للمنظور الإنتقائي الذي حصر علاقة الدولة بمغاربة الخارج في بعدها الإقتصادي . فعلى الرغم من التحويلات المالية التي تخطت حاجز مائة مليار درهم سنويا، لا يزال الإحساس قائما لدى كثيرين من أفراد جاليتنا بأن الدولة تنظر إليهم كمصدر للعملة الصعبة، أكثر من اعتبارهم مواطنين كاملي الحقوق والواجبات.
كما تتجدد الدعوات كل سنة وبنفس المناسبة إلى إصلاح جوهري لقنوات التواصل المؤسساتي، سواء عبر آليات الشكايات أو المنصات الرقمية، بما يضمن سرعة البت في الملفات والتظلمات التي تتضاعف حدتها خلال موسم العودة الصيفية، فضلا عن ضرورة إحداث آليات تدخل استعجالية لمعالجة القضايا القانونية والإجتماعية الطارئة. وعلى الصعيد الثقافي، ورغم تنظيم فعاليات تكريمية للفنانين والمبدعين من أبناء المهجر، فإن غياب رؤية إستراتيجية شمولية يظل واضحا، إذ لم تتحول الثقافة والفن بعد إلى جسر مؤسسي دائم يربط الدولة بمواطنيها في الخارج.
أما من الناحية الإقتصادية، فإن الحاجة ماسة اليوم ، إلى بلورة رؤية وطنية متكاملة تجعل من الاستثمار المنتج، والشراكات التنموية رافعة أساسية ضمن المخطط التنموي، بدل الإكتفاء بمطالبة الجالية بضخ رؤوس الأموال في بيئة إدارية ولوجستية ما زالت بحاجة إلى إصلاحات عميقة ومحفزات جاذبة.
ختاما، بينما تتكرر الإشادات الرسمية بدور مغاربة العالم في الخطاب الرسمي، يبقى التحدي الأكبر ماثلا في الإنتقال من الإحتفال الرمزي إلى تنزيل فعلي لمقتضيات المواطنة الكاملة، بما يحول يوم المهاجر إلى موعد سنوي لمساءلة السياسات العمومية، وتقييم ما تحقق، وتحديد أولويات المرحلة المقبلة، منتظرات مطلبية لا محالة ستجعل من العاشر من كل غشت منبرا لإستشراف مستقبل أكثر إنصافا واندماجا، يعكس طموحات الجالية المغربية بالخارج ويجعلها شريكا حقيقيا في صياغة حاضر الوطن وبناء مستقبله.