برامج

برمجيات التجسس.. صناعة بمليارات الدولارات تتصدرها إسرائيل وسرها “الوحدة 8200”

يشهد العالم نمواً متسارعاً في سوق برمجيات التجسس الإلكترونية، الذي بلغت قيمته نحو 245 مليار دولار سنة 2024 مع توقعات بارتفاعها إلى أكثر من 500 مليار دولار بحلول عام 2030، لتصبح هذه الصناعة إحدى أبرز أدوات الصراع الجيوسياسي في العصر الرقمي. وقد تصدرت إسرائيل هذه السوق بفضل شركات متخصصة اشتهرت عالمياً على غرار NSO Group المطورة لبرنامج “بيغاسوس”، إلى جانب شركات أخرى مثل Candiru وParagon Solutions وIntellexa، حيث نسجت جميعها سمعتها على أساس تقنيات متطورة قادرة على اختراق الهواتف الذكية عبر ما يعرف بالهجمات الصفرية التي لا تتطلب أي تفاعل من المستخدم المستهدف، مع إمكانية تشغيل الكاميرات والميكروفونات والتجسس المباشر على التطبيقات المشفرة.

هذا التفوق التكنولوجي لم يكن وليد الصدفة، بل يعود في جوهره إلى وحدة استخباراتية عسكرية سرية تُعرف باسم “الوحدة 8200”، وهي إحدى أكبر وحدات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتعد نظيراً لوكالة الأمن القومي الأميركية. أنشئت هذه الوحدة منذ خمسينيات القرن الماضي لتتخصص في التنصت واعتراض الإشارات، ثم توسعت مهامها مع الثورة التكنولوجية لتصبح القلب النابض للحرب السيبرانية الإسرائيلية. وتعتمد الوحدة على استقطاب شباب بارعين في الرياضيات والبرمجة وعلوم الحاسوب منذ سن مبكرة، ليتم تدريبهم على استغلال الثغرات الأمنية وتطوير برمجيات قادرة على جمع المعلومات وتحليلها بكفاءة عالية.

ولا يتوقف تأثير هذه الوحدة عند حدود الأمن القومي، بل يمتد إلى القطاع الخاص، حيث يتجه خريجوها بعد إنهاء خدمتهم العسكرية إلى تأسيس شركات تكنولوجية ناشئة تتحول سريعاً إلى علامات بارزة في سوق برمجيات التجسس، جالبة استثمارات بمليارات الدولارات، ومانحة إسرائيل مكانة ريادية عالمية في الأمن السيبراني. وبذلك تحولت “الوحدة 8200” إلى مصنع للكفاءات ومفرخة لأجيال من مهندسي التجسس الذين يجمعون بين التدريب العسكري والخبرة التقنية، مما يجعل الحدود بين ما هو أمني وما هو تجاري غير واضحة، ويفتح الباب أمام جدل واسع حول أخلاقيات هذه الصناعة.

فالبرمجيات التي انطلقت من رحم هذه البيئة العسكرية باتت تُباع وتُشترى في مختلف أنحاء العالم، وغالباً ما استخدمت لتعقب صحافيين ونشطاء ومعارضين سياسيين، الأمر الذي أثار انتقادات حقوقية واسعة، خاصة وأن الدول المالكة لهذه التكنولوجيا تسوغ استخدامها بذريعة حماية أمنها القومي. وبينما تحقق إسرائيل أرباحاً ضخمة من تصدير هذه المنتجات الاستراتيجية، يظل السؤال مطروحاً حول الكلفة الأخلاقية والإنسانية لاستخدام أدوات التجسس في عالم يزداد انكشافاً يوماً بعد يوم.

وهكذا تبدو إسرائيل قد نجحت في تحويل خبرتها العسكرية إلى قوة اقتصادية وصناعية عابرة للحدود، حيث تتجاوز أهمية “الوحدة 8200” بعدها الأمني لتصبح رمزاً لصناعة عالمية تتقدم بسرعة نحو نصف تريليون دولار، وتضع العالم أمام معضلة كبرى بين ضرورات الأمن ومتطلبات حماية الحقوق الفردية في عصر تتحكم فيه الشيفرات الخفية أكثر من الجيوش الميدانية.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا