
تناقلت عدد من الصحف والمواقع الإعلامية نبأ اقتياد محمد ماماد المدير العام السابق لقناة الأمازيغية التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ، ( مابين سنوات 2010-2023) الأربعاء المنصرم من طرف الفرقة الوطنية الجهوية للشرطة القضائية ،لتقديمه امام الوكيل العام للملك لدى استئنافية الرباط بتهمة تبديد المال العام ، حيث ارتئى السيد الوكيل العام متابعته في حالة سراح وإحالته على غرفة التحقيق ، مع سحب جواز سفره إلى جانب سبعة أطراف آخرين من الموظفين والمقاولين ، إلى حين إجراء المواجهات اللازمة بينهم في إطار التحقيق التفصيلي شهر نونبر القادم من طرف قاضي التحقيق بغرض إجلاء الحقيقة واعداد ملتمس الإحالة ، وترتيب النتائج بعد التأكد من ارتكاب الأفعال الجرمية من عدمها، وتكييف درجات الخطإ الحاصل على مستوى التدبير والاختلالات المتحدث عنها باقتضاب دون إسهاب ، حيث ان غالبية المقالات الصحفية وقفت عند حادث المتابعة وسحب الجواز دون الدخول إلى كنه الوقائع .
وفي خضم هذه المتابعة القضائية التي طالت مدير قناة تمازيغت وعدداً من المسؤولين وبعض الشركات المنتجة، يبرز سؤال جوهري يستحق التوقف:
هل هذه محاكمة جنائية خالصة أم محاكمة لمرحلة تأسيسية بكل ما حملته من إكراهات وصعوبات؟
أولاً: سياق الانطلاق الاستثنائي المتعلق بالقناة :
فعلا قناة استثنائية في ظرف استثنائي، حيث انطلقت قناة تمازيغت سنة 2010، لم يكن الأمر مجرد إطلاق قناة جديدة، بل كان تأسيس مشروع إعلامي وطني ذي هوية لغوية وثقافية متميزة.
لقد جاءت في سياق سياسي وثقافي دقيق، تزامن مع التحولات الدستورية الكبرى التي كرّست الأمازيغية لغة رسمية، فكانت القناة بمثابة نقطة تحول في المشهد السمعي البصري المغربي.
إكراهات البداية كانت جلية:
• انطلاق القناة تم في ظرف زمني ضيق جداً، بعد إعلان لم يتجاوز شهرين؛
• أطقم جديدة، بعضها حديث التوظيف، تفتقر للتجربة العملية؛
• غياب بنيات تنظيمية إدارية متكاملة؛
• ضغط التوقعات الجماهيرية والسياسية لإنجاح المشروع في ظرف قياسي.
الصورة : محمد ماماد المدير العام السابق لقناة الأمازيغية
ورغم أن مدير القناة آنذاك كان ذا تجربة واسعة يشاد بها في الحقل السمعي البصري، فإن الظروف الموضوعية لم تكن تسمح بضبط كل التفاصيل التقنية والإدارية منذ اليوم الأول لأنها ببساطة ولادة في ظروف استثنائية لقناة استثنائية.
ثانياً: المرحلة التأسيسية لا تُحاكم… بل تُقوَّم
أي مشروع مؤسساتي في بداياته يمر بمرحلة التجريب والتأسيس، وهي مرحلة تعرف غالباً تداخل المسؤوليات وغياب المساطر الدقيقة.
وتقرير المجلس الأعلى للحسابات حين حلّ بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، لم يستثن قناة بعينها، بل شمل جميع القنوات التابعة للشركة حيث خلص التقرير بوضوح إلى أن:
“الشركة الوطنية تعاني من غياب المساطر الإدارية والمالية الدقيقة، مما يسمح بوقوع اختلالات في التسيير والتتبع والتوثيق.
بالتالي، فإن ما أُثير في ملف قناة تمازيغت لا يمكن عزله عن إطار مؤسساتي عام، كان يشكو من قصور هيكلي لا يخص هذه القناة وحدها.
ثالثاً: مسؤولية مؤسساتية لا فردية
قناة تمازيغت ليست كياناً مالياً مستقلاً، فهي إدارة ضمن إدارات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، تخضع لنفس الأنظمة والمساطر، وليس لها صلاحية الأمر بالصرف أو التدبير المالي المباشر.
وبالتالي، فإن تحميلها وحدها تبعات أي اختلال إداري، هو خلل في التقدير القانوني، لأن المسؤولية هنا جماعية ومؤسساتية، وليست شخصية أو معزولة ، فكل عملية مالية أو صفقة إنتاج تمر عبر:
• مديرية الصفقات،
• المديرية المالية،
• والمديرية العامة.
ليُطرح سؤال كيف يتم اتهام قناة فرعية بعدم احترام المساطر وهي نفسها لا تملك سلطة إصدار أوامر الصرف؟
رابعاً: من الاتهام إلى التأويل:
فالخرجات الإعلامية انحازت دون انتظار انتهاء التحقيقات نحو تقريب ماماد من الإدانة وبالتالي صنفت ضمن تضخيم الحدث قبل الأوان إعلامياً، لكون المتابعات الجارية حالياً لا تعني الإدانة.
فالقانون المغربي واضح: البراءة هي الأصل، والمتابعة مجرد إجراء للتحقيق والتثبت، لا للحكم المسبق.
لكن المثير أن بعض المنابر الإعلامية تناولت الموضوع بشكل انتقائي وموجّه، مُستعملة عبارات مثل “الاختلاس” و”الفضيحة” دون أي سند قضائي نهائي، مما يطرح احتمال أن هناك محاولة لتهويل الأمر لفائدة جهات بعينها ، وتشويه القضية وتوجيه الرأي العام نحو قراءة أحادية، متجاهلة طبيعة الملف وحقيقته القانونية.
فالملف، في جوهره، لا يتعلق باختلاس أموال عمومية بالمعنى الجنائي الصارم، بل بما يمكن تصنيفه في إطار تبديد أو خلل إداري في ظروف غير مؤطرة قانونياً، وهي وضعية سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن سجلها في أكثر من مؤسسة عمومية.
خامساً: نحو قراءة عادلة ومتوازنة:
العدالة لا تتحقق بالانتقاء، بل بالإنصاف والموضوعية ومحاكمة تمازيغت اليوم، إذا لم تؤخذ في سياقها التاريخي والمؤسساتي، فإنها ستتحول من محاكمة قانونية إلى محاكمة لمرحلة تأسيسية بكل ما حملته من حسن نية وتجربة في طور التكوين.
إن السؤال الجوهري الذي ينبغي أن يُطرح ليس: من أخطأ؟ بل كيف نُصلح ما لم يكن مؤسساً جيداً منذ البداية؟ فالمطلوب اليوم ليس جلد المؤسسات التي أسست للإعلام الأمازيغي، بل تصحيح المسار وتطوير المساطر، لأن الخطأ التنظيمي لا يُعالج بالمحاكمات فقط، بل بإصلاح البنية التي سمحت به.
خلاصة القول :
إن ما يجري اليوم يجب أن يُفهم على أنه درس مؤسساتي أكثر منه قضية جنائية ، وقناة تمازيغت، بما تمثله من بعد ثقافي وهوياتي، تستحق أن تُنصف، لأن بداياتها كانت مغامرة إعلامية وطنية في زمن قصير وإمكانيات محدودة.
وإذا كانت هناك من مسؤولية، فهي مسؤولية الشركة الوطنية ككل، التي لم تضع، في حينه، مساطر دقيقة للتدبير والمراقبة والتوثيق.
فهل نُحاسب من أسس، أم نتعلم مما لم يُؤسس كما ينبغي؟
وخلاصة القول فردهات المجلس الأعلى للحسابات تعج بالتقارير المتعلقة بمؤسسات ذات أهمية قصوى مقارنة مع قناة الأمازيغية ، في مجال تدبير الشأن العمومي ومالياتها تظل جامدة لسنوات ، هذا من جهة، فيما القناة وبالنظر للهيكلة الإدارية يشرف عليها مجلس إداري تعرضت شركته في تقارير سابقة ( 2018) لانتقادات شملت كل أجهزته وبالتالي وجب التنبيه إلى أنه و حسب المثل المغربي :” الدروج كايبدا التسياق ديالهم من لفوق ماشي من لتحت