
في خطوة وُصفت بأنها مفصلية في تاريخ التسلح العالمي، كشفت روسيا عن تطويرها سلاحاً نووياً جديداً وصفته بأنه “لا يُقهر”، قادر على تغيير موازين القوى الدولية وإعادة رسم معادلات الردع النووي بين الشرق والغرب. الإعلان الذي جاء بتصريحات رسمية مرفقة بمقاطع فيديو دعائية حمل دلالات استراتيجية عميقة، خصوصاً في ظلّ تصاعد التوتر بين موسكو والعواصم الغربية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
السلاح الجديد الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام الروسية والعربية على حدّ سواء، هو الصاروخ “بوريفيستنيك” — ويُعرف في بعض التقارير باسم “الطائر النووي” — إذ يتميز بقدرته على التحليق لمسافات غير محدودة تقريباً بفضل محركه النووي المصغّر، مما يمنحه إمكانية تجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية التي تعتمدها الولايات المتحدة وحلف الناتو. ووفقاً لمصادر روسية، فإن هذا الصاروخ قادر على حمل رؤوس نووية متعددة، وتغيير مساره أثناء الطيران، ليجعل من اعتراضه أمراً شبه مستحيل.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتردد في وصف السلاح الجديد بأنه “لا نظير له في العالم”، مؤكداً أن روسيا دخلت مرحلة جديدة من التفوق العسكري بفضل تكنولوجيا لا تمتلكها أي دولة أخرى. واعتبر مراقبون أن هذه التصريحات تحمل رسائل مباشرة إلى واشنطن وبروكسل مفادها أن موسكو لا تزال قادرة على فرض معادلة الردع، رغم العقوبات الاقتصادية الواسعة والحصار التقني المفروض عليها منذ عام 2022.
الاهتمام العالمي بالخبر لم يأتِ من فراغ، فإعلان روسيا عن “سلاح لا يُقهر” يأتي في وقت يشهد فيه العالم سباق تسلح نووي متجدد، تُسهم فيه الصين والولايات المتحدة أيضاً عبر تطوير صواريخ فرط صوتية وأنظمة دفاع جديدة. غير أن ما يميز هذا الإعلان هو البعد الاستراتيجي المرتبط بمفهوم “الردع النووي المطلق”، أي القدرة على توجيه ضربة انتقامية في أي مكان على وجه الأرض دون إمكانية إيقافها.
محللون عسكريون غربيون أبدوا تشككهم في بعض تفاصيل القدرات الروسية، مشيرين إلى أن استخدام محركات نووية في الصواريخ يطرح تحديات تقنية وبيئية كبيرة، خصوصاً في حال فشل الإطلاق أو انفجار الصاروخ أثناء الاختبار. لكنهم في الوقت ذاته لم يُخفوا قلقهم من إصرار موسكو على كسر التوازن النووي التقليدي الذي حافظ على ما يُعرف بـ”السلام البارد” طوال عقود الحرب الباردة.
ويُجمع خبراء الأمن الاستراتيجي على أن مثل هذا التطور قد يعيد العالم إلى مرحلة خطيرة من سباق التسلح، حيث تسعى القوى الكبرى إلى امتلاك أدوات ردع جديدة خارج الاتفاقات النووية القديمة التي باتت شبه منتهية. ومع انسحاب الولايات المتحدة وروسيا من معاهدة الصواريخ المتوسطة المدى عام 2019، لم يعد هناك إطار قانوني يحدّ من نشر أو تطوير مثل هذه الأسلحة.
من زاوية أخرى، يرى بعض المراقبين أن الإعلان الروسي ليس مجرد استعراض عسكري بل رسالة سياسية عميقة إلى الداخل والخارج معاً. فبوتين يسعى إلى تأكيد صلابة روسيا في مواجهة العقوبات الغربية، وإعادة تعزيز الشعور بالفخر الوطني لدى المواطنين الروس، في وقت يعيش فيه الاقتصاد ضغوطاً متزايدة بفعل الحرب الطويلة في أوكرانيا. وفي المقابل، تسعى موسكو إلى فرض نفسها كقوة لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات أمنية أو سياسية عالمية قادمة.
على المستوى الدولي، أثار الإعلان الروسي ردود فعل متباينة. ففي حين اعتبرت بعض الدول الغربية أن الخطوة تصعيد خطير يُهدد الأمن العالمي، دعت الصين والهند إلى ضبط النفس وتجنب العودة إلى سباق التسلح النووي المفتوح. أما في الشرق الأوسط، فقد تابع المراقبون العرب التطور بقلق لكونه قد يفتح الباب أمام إعادة توزيع موازين القوة بين الشرق والغرب، وما لذلك من انعكاسات على السياسة الدولية في المنطقة، بما فيها التوازنات مع إيران وتركيا وإسرائيل.
التحليل الجيوسياسي لهذا الحدث يُشير إلى أن العالم يدخل مرحلة جديدة من “الردع المرن”، حيث تتراجع فعالية الأنظمة الدفاعية التقليدية أمام أسلحة خارقة لسرعة الصوت أو تعمل بمحركات نووية صغيرة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو في إدارة المخاطر: فكلما زادت الأسلحة التي لا يمكن ردعها، تقلصت مساحة الخطأ في إدارة الأزمات الدولية، وأصبح خطر الحرب النووية العرضية أكثر واقعية.
يمكن القول إن إعلان روسيا عن سلاحها النووي الجديد ليس مجرد خبر عسكري عابر، بل حدث يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية، عنوانها “عودة الردع النووي المطلق”. وبين من يراه تهديداً للسلم العالمي، ومن يعتبره خطوة لحماية التوازن ومنع التفرد الأميركي، تبقى الحقيقة أن العالم يقف على أعتاب سباق تسلح جديد، قد يجعل الأمن الدولي أكثر هشاشة من أي وقت مضى.











