
أصدرت مؤخرًا لجنة تحقيق دولية مستقلة تقريرًا يحمّل السلطات الإسرائيلية مسؤولية ارتكاب “إبادة جماعية” في قطاع غزة، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، مع إشارات قوية إلى أن بعض كبار القادة الإسرائيليين لم يكتفوا بارتكاب الانتهاكات، بل حرضوا عليها بالكلمات كذلك. هذا التقرير يضع القضية الفلسطينية على مفترق طرق جديد؛ لا يسمح للهامش بعد الآن بالتفسيرات الفضفاضة.
التقرير يستخدم أدلة متعددة: شهادات ضحايا وشهود، تحليل صور الأقمار الصناعية، وثائق مفتوحة المصدر، كلها تؤشر إلى أن العدوان لم يكن عشوائيًا بل مدروسًا.
من بين التهم البارزة: “النزوح القسري”، “عرقلة وصول المساعدات”، “تدمير المرافق الأساسية”، إضافة إلى اتهامات رسمية بأن تصريحات بعض المسؤولين تحمل معنى الدعوة إلى الإبادة.
الوضع يوحي بأن هناك نيّة لفرض تغيير ديموغرافي، معنوي، وحتى مادي، يمكن وصفه بالتهديد الوجودي للفلسطينيين في غزة على المدى الطويل.
لا بد أن تُستخدم مصطلحات دقيقة لا تُضيع القضية في لُجّة السجالات الإعلامية والسياسية. “الإبادة الجماعية” ليست مجرد كلمة، بل وصف قانوني يترتب عليه التزامات حقوقية وأخلاقية واضحة لكل الأطراف المعنية.
من الضروري تسريع المسارات القانونية أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ليس لإثارة عواطف فقط، بل لتفعيل مبدأ مساءلة من ينتهك القانون الدولي.
يجب أن لا يُترك الموقف العربي أو الإسلامي في بيانات شجب فقط، بل يتحول إلى تحرك دبلوماسي متزامن: مقاطعة، تعليق علاقات، فرض عقوبات، وربما حتى دعوات لعقد محافل دولية تضع القضية في صدارة الأولويات الدولية.
كمتابع للأحداث، وكاتب مقيم في إيطاليا، أرى أن العالم لا يمكنه الاستمرار في “المراقبة الصامتة” بينما تتراكم الأدلة وتُترَك الفظائع دون رد دولي فعّال. أبديت في هذا المقال انفعالًا لا كمراقب فقط، بل كمواطن عالمي يرفض أن يُستساغ الظلم ويتعايش معه.
إن ما يحدث في غزة ليس فقط مأساة إنسانية – إنه اختبار أخلاقي ومدني للضمير العالمي. كل يوم يمر دون تحرك يجعلكم تشكون: هل القانون الدولي لأجل المواقف الضعيفة فقط؟
التقرير الأخير ليس حدثًا عابرًا، بل إشارة قوية بأن العدوان الإسرائيلي تجاوز الحدود المقبولة، وأن الضحية باتت البشرية أولًا. إذا لم يتبع توصيف مثل هذا بتفعيل قانوني، دبلوماسي، سياسي، فإن كلمات الحق ستصبح تكرارًا لمآسي تُروى في كتب التأريخ – دون أن تُغيّر الواقع.
الأمر لا يحتمل التأجيل: العدالة الآن، للمسؤولين الآن، وللضحايا الآن.