اسلاميات

بين نبوءة التاريخ ورؤية الإيمان.. الشيخ أحمد ياسين وتقدير نهاية إسرائيل عام 2027

لم تكن كلمات الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، مجرد شعارات ثورية أو اندفاعات خطابية، بل كانت نابعة من عقلٍ قرآني وبصيرة تاريخية نادرة. حين أعلن في أكثر من مناسبة أن “إسرائيل ستزول قبل أن تبلغ الثمانين عامًا”، لم يكن يتنبأ بالغيب كما يفعل العرّافون، بل كان يقرأ التاريخ بمنطق الإيمان، ويستخلص من سنن الله في الكون أن الكيانات الظالمة لا تخلد، وأن إسرائيل الحديثة ليست سوى نسخة مكررة من مملكةٍ زائلة، تعود لتلقى المصير نفسه في دورة التاريخ التي لا ترحم.

الشيخ أحمد ياسين كان يعتقد اعتقادًا راسخًا أن الكيان الإسرائيلي لا يملك مقومات البقاء الحضاري أو الروحي، لأنه يقوم على الاغتصاب والقتل والتمييز، وهي أسس تناقض العدالة الإلهية. وكان يرى أن ما يسميه الإسرائيليون “عودة إلى أرض الميعاد” هو في الحقيقة العودة الثانية لبني إسرائيل التي تحدث عنها القرآن الكريم في سورة الإسراء:

“وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا”

ففي تأملات الشيخ، كانت العودة الأولى هي قيام مملكة بني إسرائيل القديمة في عهد داود وسليمان عليهما السلام، التي انتهت بتدميرها على يد البابليين. أما العودة الثانية، فهي قيام إسرائيل الحديثة سنة 1948، التي ستبلغ – وفق رؤيته – الثمانين عامًا في حدود عام 2027، لتلقى المصير ذاته من الزوال والانهيار. وهنا استشهد الشيخ بقول الله تعالى:

“فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا”

أي أن الله سيجمعهم في الأرض المقدسة كما جُمِعوا سابقًا، ليجري عليهم حكمه مرة أخرى. وبذلك، كان يرى أن نشوء إسرائيل الحديثة ليس نهاية التاريخ، بل بدايته الثانية التي ستقودها إلى الفناء المحتوم.

وقد استند الشيخ أحمد ياسين إلى مقارنةٍ دقيقة بين عمر الدولة العبرية القديمة وعمر إسرائيل الحديثة، إذ لم تتجاوز المملكة الأولى ثمانين عامًا من الاستقرار قبل سقوطها، وهي المدة التي اعتبرها الشيخ حدًّا أقصى لبقاء الكيان الحالي. ومن هذا المنطلق، قال بثقة المؤمن: “إسرائيل لن تكمل الثمانين عامًا، وستنهار قبل أن تبلغها، لأن ما بُني على باطل لا يدوم.”

لم تكن رؤيته مجرد قراءة في كتب التاريخ، بل رؤية سياسية واقعية أيضًا. كان ياسين يدرك أن إسرائيل تقوم على دعم خارجي، وأنها مجتمع هشّ منقسم داخليًا بين تيارات علمانية ومتدينة، شرقية وغربية، وأن هذا التناقض سيقود إلى تفككها من الداخل أكثر من أي هزيمة عسكرية. كما رأى أن المقاومة الفلسطينية – برغم الحصار والدماء – تحمل بذور النصر لأنها تمتلك عنصر الصبر والاستمرارية، وأن الجيل الذي وُلد تحت الاحتلال سيحمل راية التحرير في لحظة نضج الأمة.

وعندما نقرأ المشهد اليوم، بعد عقدين من استشهاده، نجد أن الواقع يقترب فعلاً من ملامح تلك الرؤية التي سخر منها البعض في حينها. فإسرائيل اليوم تعيش أسوأ مراحل الانقسام الداخلي، وتعاني من اهتزاز صورتها الدولية، وتواجه مقاومةً متصاعدة من غزة ولبنان والضفة الغربية، إلى جانب تحولات عالمية تفكك النظام الذي كان يحميها. حتى محللون إسرائيليون بدؤوا يتحدثون عن “الخطر الوجودي” الذي يهدد الدولة من داخلها أكثر من الخارج.

إن رؤية الشيخ ياسين ليست نبوءة في علم الغيب، بل قراءة إيمانية للتاريخ في ضوء السنن الإلهية. لقد علم أن الظلم لا يدوم، وأن قوة الاحتلال مهما بلغت، فإنها تُهزم عندما يفقد المجتمع الذي أنشأها روحه وهدفه. لذلك لم يحدّد سنة الزوال كرقمٍ سحري، بل كـرمزٍ لنهاية دورةٍ حضارية. قال رحمه الله: “إذا رأيتم الظلم قد بلغ ذروته، فاعلموا أن زواله قد اقترب.”

وهكذا، يقف عام 2027 في الذاكرة العربية والفلسطينية ليس كتاريخٍ حتميّ، بل كـإشارةٍ روحية إلى قرب تحقق وعد الله بزوال الباطل وعودة الحق إلى الأرض المباركة. لقد غادر الشيخ ياسين الدنيا شهيدًا عام 2004، لكنه ترك خلفه رؤيةً لا تزال تلهب القلوب وتوقظ الأمل: أن هذا الاحتلال زائل لا محالة، وأن من سنن الله أن الباطل لا يدوم مهما امتد به الزمن.

فهل يكون العام 2027 فعلاً لحظة انكسار المشروع الصهيوني؟ أم سيكون بداية مرحلة جديدة من صراعٍ يتشكل بموازين مختلفة؟
ما لا شك فيه أن كلمات الشيخ أحمد ياسين ستبقى خالدة، لأنها لم تُكتب بالحبر، بل باليقين:

“إننا نؤمن أن هذا الكيان سيزول كما زالت قبله ممالك الطغيان، لأن الله لا يُمكّن للظالمين في الأرض إلا إلى حين.”

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا