
تشهد الساحة الاقتصادية والمالية المغربية تطورًا بالغ الأهمية بعد تأكيد معطيات متطابقة تفيد بأن الاتفاق المبدئي بخصوص استحواذ مجموعة هولماركوم المغربية على حصة مجموعة BNP Paribas في البنك المغربي للتجارة والصناعة قد تم، في خطوة تحمل دلالات عميقة على مستوى توازنات القطاع البنكي، في وقت لا تزال فيه المفاوضات جارية بخصوص بعض التفاصيل المرتبطة بمرحلة الدمج المرتقب، والذي من المنتظر أن يشمل البنك المغربي للتجارة والصناعة ومصرف المغرب في إطار تصور جديد لإعادة هيكلة النشاط البنكي داخل المجموعة.
ويُرتقب أن يشكل هذا التحول أحد أبرز الأحداث البنكية خلال السنوات الأخيرة، بالنظر إلى الثقل التاريخي والمؤسساتي للبنك المغربي للتجارة والصناعة، وإلى الموقع الذي تحتله مجموعة هولماركوم داخل المنظومة الاقتصادية الوطنية، باعتبارها فاعلًا استثماريًا وازنًا راكم تجربة طويلة في القطاعات المالية والاستراتيجية.
وتُعد هولماركوم من أعرق المجموعات الاقتصادية المغربية، إذ تأسست سنة 1961 وتتخذ من الدار البيضاء مقرًا لها، وتُدار بقيادة محمد حسن بنصالح، وقد بنت نموذجها الاستثماري على تنويع الأنشطة، مع تركيز قوي على القطاع المالي الذي يشمل البنوك، التأمين، والخدمات المالية، إلى جانب أنشطة صناعية ولوجستية وغذائية، خصوصًا في مجالات الصناعات التحويلية وسلاسل التوزيع والخدمات المرتبطة بالإنتاج، مع حضور متنامٍ داخل القارة الإفريقية.
وفي المجال البنكي، عززت هولماركوم موقعها خلال السنوات الأخيرة عبر الاستحواذ على حصة الأغلبية في مصرف المغرب، الذي يُعد فاعلًا نشطًا في تمويل المقاولات والأفراد، كما ظلت في الوقت نفسه مساهمًا في رأسمال البنك المغربي للتجارة والصناعة، وهو ما يجعل التوجه نحو الاستحواذ الكامل متبوعًا بدمج المؤسستين خطوة منسجمة مع استراتيجية المجموعة الرامية إلى إرساء قطب بنكي وطني قوي قادر على المنافسة داخل السوق المغربية ومواكبة التحولات المتسارعة التي يعرفها القطاع.
ويأتي هذا الاتفاق المبدئي في سياق إعادة تموقع استراتيجي لمجموعة BNP Paribas، التي اختارت خلال السنوات الأخيرة مراجعة انتشارها الدولي وإعادة ترتيب أولوياتها الجغرافية، بما في ذلك تقليص حضورها في بعض الأسواق، من بينها المغرب، دون أن يرتبط ذلك بأداء البنك المغربي للتجارة والصناعة، الذي حافظ على مكانته داخل المنظومة البنكية الوطنية وقاعدة زبناء واسعة.
ويعكس هذا التحول توجهًا متزايدًا نحو تعزيز حضور الرأسمال الوطني داخل القطاعات الاستراتيجية، وعلى رأسها القطاع البنكي، لما له من دور محوري في تمويل الاقتصاد، ودعم الاستثمار، وتعزيز الاستقرار المالي، وهو ما يمنح لعملية الاستحواذ والدمج بعدًا اقتصاديًا يتجاوز الإطار التجاري إلى رهانات أوسع مرتبطة بإعادة رسم خريطة الملكية البنكية داخل المغرب.
ويُنتظر أن يُواكب هذا التحول اعتماد أكبر على الكفاءات المغربية داخل المؤسستين البنكيّتين، بما راكمته الأطر الوطنية من خبرة عالية في التدبير المالي والحكامة البنكية، سواء على المستوى المحلي أو القاري. كما يعكس هذا المسار ثقة متزايدة في قدرة الرأسمال المغربي على قيادة مؤسسات بنكية كبرى بكفاءة واستقلالية، والمساهمة الفعلية في تمويل الاقتصاد الوطني ودعم مسارات التنمية.
ورغم التوصل إلى اتفاق مبدئي، فإن بعض التفاصيل المرتبطة بمرحلة الدمج بين البنك المغربي للتجارة والصناعة ومصرف المغرب لا تزال محل نقاش، خاصة ما يتعلق بهيكل الحكامة والنموذج التشغيلي المستقبلي، في أفق بلورة صيغة نهائية تضمن استمرارية المؤسستين وتعزيز تنافسيتهما داخل سوق يشهد تحولات متسارعة.
وفي انتظار استكمال هذه المرحلة، يبرز هذا التطور كمنعطف حاسم في تاريخ القطاع البنكي المغربي، ويؤشر على مرحلة جديدة قوامها صعود الفاعلين الوطنيين وبروز أقطاب مالية مغربية قوية، قادرة على لعب أدوار محورية في تمويل التنمية ودعم الدينامية الاقتصادية الوطنية.








