أراء وكتاب

تحيين الحكم الذاتي في الصحراء: رؤية وطنية لضمان وحدة المغرب واستباق الإنفصال تحت مظلة السيادة المغربية الفاعلة

بقلم: الدكتور جمال العزيز

يشكل مشروع الحكم الذاتي في الصحراء المغربية أحد أعمدة الرؤية الملكية لبناء دولة مُوَحَّدَة، متماسكة، ومتجددة في مؤسساتها ومفاهيمها. غير أن التحولات الإقليمية والدولية الراهنة تجعل من تحيين هذه المبادرة الوطنية ضرورة استراتيجية تفرضها اعتبارات السيادة والمصلحة العليا للوطن، بهدف تحصين الوحدة الترابية واستباق أي محاولات مستقبلية للمطالبة بالإنفصال، كما حدث في بعض التجارب الدولية ككتالونيا وأقاليم أخرى.

الحكم الذاتي المغربي، كما صاغته المبادرة الملكية، لم يكن يوما تنازلا أو تسوية مرحلية، بل مشروع سيادي بامتياز يربط بين الإستقرار السياسي والتنمية المستدامة. وهو إطار متقدم يمنح ساكنة الصحراء صلاحيات موسعة في تدبير شؤونهم المحلية ضمن السيادة المغربية الكاملة. ومع ذلك، فإن مرور الزمن وتغير السياقات السياسية والإقتصادية يجعل التحيين ضرورة ملحة لضمان فعالية التطبيق وتحصين النموذج من أي تأويلات أو انزلاقات مستقبلية.

من المنظور الداخلي، يشكل تحيين الحكم الذاتي فرصة لتجديد التوافق الوطني حول قضية الصحراء، من خلال إشراك الأحزاب السياسية والهيئات المنتخبة في التفكير والتخطيط للمستقبل. وقد شكل إشراك الأحزاب السياسية بتوجيه ملكي سام خطوة نوعية نحو التفعيل التشاركي، على أن يشمل في المراحل القادمة المجتمع المدني والفاعلين المحليين، بما يعزز الطابع الديمقراطي والتنموي لتحيين مبادرة الحكم الذاتي. فنجاح أي صيغة محدثة للحكم الذاتي يقتضي انفتاحا أوسع على كل المكونات الوطنية، باعتبارها شريكا أساسيا في ترسيخ الإنتماء والوحدة الوطنية.

أما على المستوى الدولي، فإن تحيين المبادرة يبعث برسالة واضحة مفادها أن المغرب دولة سيادية قادرة على تطوير حلولها الذاتية بمنهج استباقي وواقعي. كما أنه يكرس مصداقية المقاربة المغربية التي تجمع بين القوة القانونية والنجاعة الدبلوماسية، خصوصا بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797 الذي أكد دعم المجتمع الدولي للحل المغربي الواقعي والعملي.

إن التحصين القانوني والسياسي للحكم الذاتي يشكل اليوم حجر الزاوية في المرحلة المقبلة. فكل تحيين للمبادرة يجب أن يراعي منع أي فراغ تأويلي أو سياسي قد يُستَغل في المستقبل لإعادة إحياء أطروحات الإنفصال. لذلك، يصبح إدماج الضمانات الدستورية والقانونية، وتوضيح آليات الرقابة والسيادة المركزية، أمرا أساسيا لضمان تماسك الدولة ووحدة مؤسساتها.

وفي السياق ذاته، يجب أن يُنظَر إلى التحسينات المقترحة في إطار السيادة المغربية الفاعلة، أي سيادة قادرة على التطوير والمبادرة، وليست سيادة جامدة أو دفاعية. فالمغرب اليوم لا يكتفي بتأكيد مغربية الصحراء كحقيقة تاريخية وقانونية، بل يسعى إلى جعلها نموذجا متطورا للحكم الذاتي الرشيد في العالم، يجمع بين المشاركة السياسية، التنمية الإقتصادية، والهوية الوطنية الجامعة.

كما أن البعد التنموي للتحيين لا يقل أهمية عن بعده السياسي، إذ أن تقوية البنية التحتية، وتشجيع الإستثمار، وتحسين الخدمات العمومية في الأقاليم الجنوبية، كلها عناصر تجعل من الحكم الذاتي مشروع حياة يرتبط بكرامة الإنسان واستقراره، وليس مجرد إطار إداري أو تفاوضي.

في النهاية، يمثل تحيين الحكم الذاتي في الصحراء مرحلة جديدة من السيادة الفاعلة والرؤية الملكية المتبصرة. إنها لحظة سياسية ودبلوماسية تؤكد أن المغرب لا ينتظر التحديات كي يتفاعل معها، بل يستبقها برؤية إصلاحية متجددة تحفظ وحدته وتضمن استقراره لعقود قادمة.

إنها رسالة مغربية إلى الداخل والخارج مفادها أن الوحدة الوطنية ليست موضوع تفاوض، بل قاعدة وجود، وأن السيادة المغربية، كما أرساها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ليست فقط دفاعا عن الأرض، بل بناء متجدد لمؤسسات قوية، ورؤية واقعية للمستقبل، ومشروع وطني لا رجعة فيه.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا