
أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحاً صادماً حين قال لشبكة “سي إن إن”: “إسرائيل ستعود إلى القتال بكلمتي إذا رفضت حماس نزع سلاحها.”
جملة واحدة لكنها كفيلة بإعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط وإحياء هواجس الحرب من جديد.
تصريحات ترامب لا تُفهم على أنها مجرد تهديدٍ إعلامي، بل رسالة سياسية واضحة تحمل في طيّاتها إعادة تموضعٍ أميركي في الملف الفلسطيني بعد مرحلة من الغموض. فالعبارة تعني أن واشنطن ترى نفسها صاحبة القرار في تحديد السلم أو الحرب، وأن الكلمة الأميركية — لا الميدان ولا المفاوضات — هي التي ترسم نهاية المعركة أو بدايتها.
لكنّ هذا الخطاب، على قوّته اللفظية، يفضح مأزق السياسة الأميركية في المنطقة؛ فبينما تسعى واشنطن لإظهار نفسها كوسيط نزيه في جهود إعادة الإعمار، يطلّ ترامب بلغةٍ تُعيدها إلى موقع المنحاز والمحرض، لا صانع السلام. وبهذا يقدّم ورقةً مجانية للمتشددين في الجانبين، ويُضعف الثقة بأي عملية تهدئة تُدار برعاية أميركية.
من جهة أخرى، يبدو أنّ إسرائيل تلقّت التصريح كضوءٍ أخضرٍ سياسي لإبقاء خيار الحرب جاهزاً. فحكومة نتنياهو التي تواجه أزمة داخلية خانقة قد ترى في التلويح بعودة القتال مخرجاً مؤقتاً من ضغط الرأي العام، ووسيلةً لاستعادة الإجماع الداخلي تحت شعار “الأمن القومي”.
أما حماس، فإنها تدرك أن نزع سلاحها يعني فقدانها لمصدر قوتها السياسية، ومن ثم لن تتجاوب مع تهديدٍ كهذا إلا بمزيدٍ من التشدد. وهنا تكمن خطورة الموقف: فالكلمة التي أرادها ترامب أداة ضغط قد تتحول إلى شرارة تشعل جولة جديدة من الدماء والمعاناة في غزة.
سياسيًا، يظهر تصريح ترامب كجزء من أسلوبه المعروف في إدارة الأزمات عبر لغة القوة والابتزاز الدبلوماسي، لكنه يغفل أنّ موازين الشرق الأوسط لم تعد تخضع لمنطق “الزعيم الذي يأمر فيُطاع”. فالعالم اليوم أكثر تشابكاً، والقوة لم تعد تكفي لتثبيت النفوذ أو فرض الاستقرار.
إنّ عبارة “بكلمتي” التي أطلقها ترامب تختصر ذهنية ترى في القوة وسيلةً لفرض النظام، لكنها تتجاهل أن النظام لا يُبنى على الخوف، وأنّ الحروب لا تنتهي إلا حين يُغلق بابها من الداخل، لا حين يفتحها زعيمٌ من وراء المحيط.
وبين طموح القوة وحسابات السياسة، تبقى غزة الضحية الدائمة: أرضًا محاصرةً بالوعود، وشعبًا يراقب العالم وهو يتجادل حول كلمةٍ قد تُشعل حرباً أخرى أو تُطفئ ما تبقّى من أملٍ في سلامٍ مؤجل.