سياسةعربية وشرق اوسط

ترامب والسلام المعلّق: مناورة انتخابية فوق ركام غزة

عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

من تل أبيب إلى شرم الشيخ، لم تكن زيارة دونالد ترامب الأخيرة إلى الشرق الأوسط مجرد تحرك دبلوماسي معتاد، بل مثّلت فصلًا جديدًا في استغلال الملفات الإقليمية لصالح الحسابات الداخلية الأميركية. فالرئيس السابق، والمرشح المحتمل لاستعادة البيت الأبيض، أطلّ على المشهد من بوابة الحرب على غزة، طارحًا نفسه كعرّاب للسلام، في خطوة لا تنفصل عن استراتيجياته المعروفة: خلط الأوراق، تصدير الأزمات، وتسويق الإنجازات ولو كانت وهمية.

لحظة هبوط الطائرة الرئاسية في مطار بن غوريون، لم يكن المشهد محض بروتوكول، بل رسالة مصوّبة بعناية: ترامب يعود. لا يعود فقط إلى الشرق الأوسط، بل إلى المشهد السياسي العالمي كلاعب لا يزال يمتلك أوراق التأثير، أو هكذا يريد أن يظهر. ومع تصاعد الأصوات المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، وازدياد الضغط على إسرائيل بسبب الكلفة الإنسانية الفادحة للحرب، وجد ترامب نافذته.

توقيت الزيارة، المتزامن مع دخول اتفاق التهدئة بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ، لم يكن بريئًا. ترامب حرص على الظهور بمظهر من رعى الاتفاق أو دفع نحوه، رغم أن أغلب المؤشرات الميدانية والدبلوماسية تشير إلى أن التفاهمات جرت برعاية إقليمية ودولية متشابكة، كان للولايات المتحدة فيها دور غير مباشر.

في تصريحات لاحقة، أشار ترامب إلى أن وقف إطلاق النار قد يكون “أكبر إنجاز له”، وهو ما يكشف حجم الرهان الشخصي الذي يعلقه على هذه الخطوة، رغم أن إدارته السابقة كانت من بين أكثر الإدارات الأميركية انحيازًا لإسرائيل، وإضرارًا بمسار السلام الفلسطيني-الإسرائيلي، بدءًا من نقل السفارة إلى القدس، وليس انتهاء بخنق الأونروا وتمييع حل الدولتين.

مشاركة ترامب في قمة شرم الشيخ، التي جمعت قادة من أكثر من عشرين دولة، عززت صورته كمحاور دولي، لكنه لم يخفِ امتعاضه من غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن القمة، ولا عن مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، التي وصفها بأنها “جيدة”، في تعبير مغلف بدبلوماسية باردة.

ورغم أن ترامب حرص على الإشادة بالجهود القطرية والمصرية، فإن سياق تصريحاته يعكس نزعة واضحة لتأطير الاتفاق ضمن مشروعه السياسي، لا ضمن سياق تفاهمات إقليمية نضجت بفعل ضغط ميداني واقتصادي وسياسي فرضه طول أمد الحرب وكلفتها الباهظة.

لا يمكن قراءة تصريحات ترامب دون التوقف عند إشارته إلى ضربات وجهت إلى منشآت نووية إيرانية، والتي يرى أنها ساهمت في إضعاف موقف طهران، ومن ثم دفع حماس نحو القبول بالتفاهم. في هذا الربط المتعمد، يظهر ترامب مجددًا كلاعب يخلط بين الجغرافيا والملفات، لتكوين صورة رجل “الحسم” الذي لا يتردد في استخدام القوة لتحقيق السلام.

لكن الواقع أكثر تعقيدًا. فحماس ليست مجرد امتداد إيراني، والصراع في غزة لا يُختزل في علاقات المحاور الإقليمية. وحتى إن وُجد تأثير غير مباشر، فإن تبسيط المعادلة إلى “ضغط على إيران = تنازل من حماس” لا يصمد أمام قراءة معمقة لبنية الحركة، ولا لتعقيدات التفاوض الذي أُنجز عبر وساطات متعددة.

المثير أن ترامب، رغم كل ما بذله من محاولات للترويج لدوره، لم يلقَ الإجماع داخل إسرائيل نفسها. فغياب نتنياهو عن القمة، واستقبال فاتر نسبيًا في الكنيست، يعكسان توجسًا من رغبة ترامب في توظيف إسرائيل مرة أخرى كورقة في حملته الانتخابية. وحتى في الشارع الإسرائيلي، ثمة انقسام متزايد حول التهدئة وشروطها، وهو ما يجعل تبني ترامب لها مغامرة بحد ذاتها.

في المحصلة، ما جرى ليس اختراقًا سياسيًا بقدر ما هو استعراض إعلامي مألوف من ترامب. تهدئة غزة، وإن كانت ضرورة إنسانية وسياسية، إلا أنها تظل هشة، محكومة بتوازنات تتجاوز تصريحات الطائرات الرئاسية، وخطب الكنيست، وابتسامات مؤقتة في شرم الشيخ.

وإذا كان ترامب يأمل أن تُسجل هذه الجولة كإنجاز دبلوماسي يعزز رصيده الانتخابي، فإن الواقع قد يعاكسه، ما لم تُترجم هذه التفاهمات إلى حلول مستدامة، تحفظ الحقوق، وتكسر حلقة الدم. وحتى ذلك الحين، سيبقى الشرق الأوسط منصة جاهزة لعروض السياسة الأميركية، بين كل دورة انتخابية وأخرى.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا