سياسة

ترامب والفوضى المنظمة: هل يقود العالم نحو إعادة توزيع القوى؟

أهم الأخبار

منذ عودته إلى البيت الأبيض في 2025، يبدو أن دونالد ترامب لا يضيّع وقتًا في تنفيذ أجندته الخاصة، حتى لو أدى ذلك إلى إشعال الأزمات على أكثر من جبهة. فبين تصريحاته المثيرة للجدل، وقراراته الاستفزازية، وعلاقته المتينة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو—المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب—يتضح أن سياساته تتجاوز مجرد العشوائية، لتبدو كأنها فوضى منظمة تهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ العالمي.

منذ تولي ترامب الرئاسة مجددًا، ظهر بشكل واضح دعمه اللامحدود لإسرائيل، حيث تزامنت تصريحاته المتطرفة مع تحركات حكومة نتنياهو لفرض وقائع جديدة على الأرض. دعمه العلني لعمليات التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، ومحاولته الضغط على الأردن ومصر لقبول توطين اللاجئين الفلسطينيين، ثم اقتراحه ترحيلهم إلى الصومال والمغرب، تعكس رغبة في تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا، متجاهلًا أن الفلسطينيين متمسكون بأرضهم حتى آخر نفس، وأن أي محاولة لاقتلاعهم ستُواجه بمقاومة شرسة.

وجود نتنياهو إلى جانب ترامب خلال هذه التصريحات ليس مجرد صدفة. فإسرائيل، التي تواجه ضغوطًا دولية متزايدة بعد مذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية، تجد في ترامب درعًا يحميها من المساءلة، بل ويمنحها الضوء الأخضر لمزيد من التوسع الاستيطاني والعدوان العسكري. لكن هذه السياسات قد تكون لها نتائج عكسية، إذ تدفع دولًا أخرى إلى إعادة النظر في تحالفاتها مع واشنطن.

بجانب دعمه غير المشروط لإسرائيل، يتخذ ترامب قرارات تبدو وكأنها تهدف إلى إشعال الأزمات الدولية بدل حلها. فإعلانه أن خليج المكسيك هو “الخليج الأمريكي” أثار استياء جيرانه، فيما طرحه فكرة ضم كندا إلى الولايات المتحدة يُظهر عقلية توسعية خطيرة. أما في الملف الأوكراني، فقد أمهل فلاديمير بوتين وفلوديمير زيلينسكي 100 يوم لإنهاء الحرب، متجاهلًا تعقيدات الصراع ومتطلبات الحلول الدبلوماسية.

لكن الأخطر هو أن هذه الفوضى لا تعزل أمريكا عن بقية العالم فحسب، بل تدفع قوى دولية أخرى إلى تعزيز تحالفاتها بعيدًا عن النفوذ الأمريكي. الصين وروسيا أصبحتا أكثر تقاربًا من أي وقت مضى، فيما تتحرك دول مثل إيران، وتركيا، والهند، والبرازيل لتشكيل تحالفات اقتصادية وعسكرية مستقلة عن الغرب. حتى في الشرق الأوسط، بدأ حلفاء تقليديون لواشنطن في مراجعة مواقفهم، مما قد يُفضي إلى تغيير جذري في ميزان القوى.

في ظل هذه التحولات، لا يبدو أن سياسات ترامب ستؤدي إلى تعزيز قوة أمريكا، بل العكس تمامًا. فكل قرار يتخذه يُضعف مصداقية واشنطن، ويدفع خصومها إلى استغلال الفراغ الذي تتركه. في المقابل، تزداد المقاومة الفلسطينية قوةً، حيث أصبح من الواضح أن محاولات اقتلاعهم من أرضهم ستواجه برفض صارم ومقاومة متصاعدة، سواء داخل فلسطين أو على المستوى الدولي.

إذا استمر ترامب في هذا النهج، فقد يجد نفسه مسؤولًا عن إعادة توزيع القوى على الساحة الدولية، ولكن ليس لصالح الولايات المتحدة. السؤال الكبير الآن: هل نحن أمام مجرد مرحلة فوضوية مؤقتة، أم أن العالم مقبل على نظام جديد تتراجع فيه الهيمنة الأمريكية لصالح قوى أخرى؟ الأيام القادمة قد تحمل الإجابة، ولكن المؤكد أن العالم أصبح أكثر تقلبًا وخطورة مما كان عليه قبل عودة ترامب إلى الحكم.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اهم الاخبار

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا