
في تصاعد جديد للتوترات بين الولايات المتحدة وكندا، وجه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو انتقادات حادة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسبب قراراته الاقتصادية الأخيرة، التي وصفها ترودو بأنها “غبية” وذات تداعيات خطيرة على اقتصاد البلدين. جاءت هذه التصريحات بعد أن فرض ترامب رسومًا جمركية جديدة على السلع الكندية، مما دفع أوتاوا إلى الرد بإجراءات مضادة شملت فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات أمريكية بقيمة 155 مليار دولار.
القرار الأمريكي بفرض رسوم جمركية إضافية على واردات الألمنيوم والصلب الكندي أثار موجة من الغضب داخل كندا، حيث اعتبرته الحكومة الكندية خطوة غير مبررة تستهدف اقتصادها بشكل غير عادل. ترودو شدد في تصريحاته على أن بلاده لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام هذه “الهجمة الاقتصادية”، مؤكدًا أن كندا لن تتراجع عن الدفاع عن مصالحها الوطنية. كما أوضح أن حكومته مستعدة لاتخاذ مزيد من التدابير الاقتصادية في حال استمر التصعيد الأمريكي، محذرًا من أن ذلك قد يضر بمصالح الشركات الأمريكية نفسها، التي تعتمد بشكل كبير على المواد الخام الكندية.
من جانبه، لم يتأخر ترامب في الرد على تصريحات ترودو، حيث نشر عبر منصة “تروث سوشيال” أن الولايات المتحدة ستفرض إجراءات انتقامية مماثلة على كندا إذا أصرت على فرض رسوم إضافية على المنتجات الأمريكية. ترامب، الذي عرف بأسلوبه الصدامي في السياسة التجارية، أكد أن بلاده لن تقبل بأي خطوة تضر بالاقتصاد الأمريكي، مشددًا على أن زمن “استغلال الولايات المتحدة تجاريًا” قد انتهى، في إشارة إلى سياسات العولمة التي طالما انتقدها.
المواجهة بين واشنطن وأوتاوا لم تكن مفاجئة للكثيرين، فالعلاقة بين ترامب وترودو لم تكن يومًا مستقرة، حيث شهدت فترات من الشد والجذب منذ بداية ولاية ترامب. ففي عام 2018، دخل البلدان في نزاع مماثل عندما فرضت إدارة ترامب رسومًا على الألمنيوم والصلب، قبل أن يتم التوصل لاحقًا إلى تسوية تجارية بين الجانبين. إلا أن عودة هذه التوترات تشير إلى أن الخلافات الاقتصادية بين البلدين لم تُحل بالكامل، بل كانت مجرد هدنة مؤقتة انتهت مع عودة سياسات الحماية الاقتصادية التي يتبناها ترامب.
الآثار الاقتصادية لهذه المواجهة لا تقتصر على الولايات المتحدة وكندا فقط، بل تمتد إلى الأسواق العالمية التي تعتمد على استقرار العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في أمريكا الشمالية. المستثمرون يخشون من أن تؤدي هذه التوترات إلى اضطرابات في سلاسل التوريد، خاصة في الصناعات التي تعتمد على المواد الخام الكندية مثل السيارات والطيران. كما أن استمرار الحرب التجارية بين البلدين قد يؤثر على معدلات النمو الاقتصادي، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي بعد الجائحة والتوترات الجيوسياسية في مناطق أخرى.
ورغم كل هذه التوترات، لا يزال هناك أمل في أن يتمكن الجانبان من التوصل إلى اتفاق يخفف من حدة التصعيد. فالعلاقات الأمريكية الكندية تاريخيًا كانت قائمة على التعاون والشراكة الاقتصادية، كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يجعل من الصعب استمرار أي نزاع تجاري لفترة طويلة دون أن تتضرر المصالح الاقتصادية لكلا الطرفين. لكن ما يميز هذه المواجهة الأخيرة هو ارتباطها ليس فقط بالسياسات الاقتصادية، بل أيضًا بالخلافات السياسية والشخصية بين ترامب وترودو، مما يجعل حلها أكثر تعقيدًا مقارنة بالنزاعات التجارية السابقة.
المشهد الحالي يشير إلى أن الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار العلاقة بين البلدين، فإما أن يتم احتواء الأزمة من خلال مفاوضات مباشرة تعيد الأمور إلى نصابها، أو أن يستمر التصعيد ليخلق مزيدًا من التعقيد في المشهد الاقتصادي العالمي. في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سيتغلب منطق المصالح الاقتصادية المشتركة على الصراعات السياسية والشخصية، أم أن هذه المواجهة ستؤدي إلى إعادة تشكيل قواعد اللعبة التجارية بين أمريكا وكندا؟