
يُعدّ تعلق الطفل الرضيع بأمه في عمر السنة إلى السنتين من المراحل الطبيعية في نموه العاطفي والنفسي. في هذه الفترة، تبدأ شخصية الطفل في التبلور ويصبح أكثر وعيًا بمحيطه، لكنه ما يزال يرى في أمه مصدر الأمان الأول والوحيد. لذلك، يسعى دائمًا للبقاء بقربها، ويشعر بعدم الارتياح أو حتى بالخوف في حال غابت عن ناظره للحظات. هذا السلوك ناتج عن ما يُعرف بقلق الانفصال، وهو أمر شائع في هذه المرحلة العمرية، إذ يبدأ الطفل في إدراك أن الأم كيان مستقل عنه وقد تبتعد، مما يثير لديه مشاعر التوتر والقلق.
ورغم أن هذا التعلّق يُعدّ مؤشراً على تطور عاطفي سليم، إلا أنه قد يشكّل تحدياً حقيقياً بالنسبة لبعض الأمهات، خاصة حين يتحول إلى ارتباط مفرط يعيقهن عن أداء مهامهن اليومية أو حتى الاستمتاع بقليل من الراحة. بكاء الطفل المستمر عند ابتعاد الأم، رفضه التعامل مع الآخرين، وتمسكه المبالغ فيه بها، كلها مظاهر قد تُرهق الأم وتزيد من شعورها بالضغط.
وللتعامل مع هذا الوضع بشكل صحي، يُنصح باتباع أسلوب التدرّج في الانفصال، كأن تترك الأم طفلها لفترات قصيرة مع شخص موثوق وتعود بسرعة، مما يمنحه شعوراً بالثقة والاطمئنان. كما يُفضل اعتماد روتين يومي واضح يخفف من قلق الطفل، وتوفير بديل محبب يحمل رائحة الأم يمنحه بعض الأمان خلال غيابها. تشجيع الطفل على اللعب بشكل مستقل، وتحفيزه على التفاعل مع أطفال آخرين، كلها خطوات تساعد على تنمية استقلاليته بشكل تدريجي. ومن المهم جداً أن تتحلى الأم بالصبر وتتفهم أن بكاء طفلها ليس سلوكاً عنيداً، بل تعبيراً عن مشاعر حقيقية تتطلب الحنان والاحتواء.
في النهاية، تعلق الطفل بأمه في هذه المرحلة ليس خطأً ولا دليلاً على ضعف في التربية، بل هو انعكاس لعلاقة قوية وآمنة بين الطرفين. فقط يحتاج الأمر إلى وعي وهدوء وتوازن، حتى تمر هذه المرحلة بسلام وتُبنى شخصية الطفل بثقة واستقلالية.