
في خطوة تؤكد التحول الجذري الذي تشهده تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عالم الأعمال، أعلنت شركة OpenAI عن إطلاق ميزة متقدمة داخل تطبيقها الشهير ChatGPT تتيح جمع وتحليل بيانات الشركات في منصة واحدة، لتتحول الأداة من مجرد مساعد ذكي للمحادثة إلى مركز معلومات متكامل يربط بين الذكاء الاصطناعي وإدارة البيانات المؤسسية. هذه الإضافة الجديدة تحمل اسم “معرفة الشركة – Company Knowledge”، وتُعد من أبرز التطويرات التي عرفها التطبيق منذ ظهوره.
الميزة الجديدة تمكّن المستخدمين من تحميل وثائق وتقارير تخص شركاتهم أو المؤسسات التي يتعاملون معها، مثل البيانات المالية، والعروض التقديمية، وجداول المشاريع، والتقارير الداخلية، وحتى قواعد البيانات الصغيرة. بعد إدخال هذه المعطيات، يقوم ChatGPT بتحليلها تلقائيًا باستخدام تقنيات فهم اللغة الطبيعية (NLP) ونماذج البيانات المتقدمة، ليُنشئ لوحات معرفية ذكية قادرة على تلخيص المعلومات، واستخراج العلاقات بين الأرقام والاتجاهات، والإجابة عن الأسئلة المعقدة بدقة ووضوح.
هذه الخطوة تمثل تحوّلًا نوعيًا في مفهوم المساعدات الذكية، إذ لم يعد ChatGPT مجرد أداة للحوار أو إنشاء النصوص، بل أصبح أشبه بـ«مستشار رقمي» داخل بيئة العمل، يجمع بين قدرات التحليل، والتخطيط، وإدارة المعرفة. وتؤكد شركة OpenAI أن هذا التطوير يهدف إلى تبسيط الوصول إلى المعلومات المؤسسية في وقتٍ أصبحت فيه البيانات متناثرة عبر أنظمة ومنصات متعددة داخل الشركات، من السحابات الرقمية إلى تطبيقات إدارة الموارد.
من خلال “معرفة الشركة”، يستطيع المستخدم مثلاً أن يسأل ChatGPT: “ما أبرز ملاحظات المراجعة في تقرير الأداء المالي للربع الثالث؟” أو “كيف يمكن تحسين هوامش الربح مقارنة بالعام الماضي؟”، ليقوم التطبيق بتحليل البيانات المحمّلة وتقديم إجابات مدعومة بالأرقام والرسوم البيانية المستخرجة من الملفات نفسها، دون الحاجة إلى الرجوع إلى أقسام مختلفة أو برامج معقدة.
وتفتح هذه الإمكانية الباب أمام ثورة في إدارة المعرفة داخل الشركات، إذ يمكن للإدارات التنفيذية والمالية والموارد البشرية استخدام ChatGPT كأداة موحدة تربط بين الأقسام، وتختصر الوقت اللازم لاستخلاص النتائج. كما تُتيح للشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تفتقر عادة إلى فرق تحليل متخصصة، فرصة الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي لتحليل بياناتها الداخلية بتكلفة منخفضة وسرعة عالية.
لكنّ هذا التطور يثير في الوقت نفسه نقاشات حادة حول خصوصية وأمن البيانات. فدمج معلومات الشركات داخل نموذج ذكي يتصل بالسحابة يعني ضرورة اتخاذ تدابير صارمة لمنع تسرب المعلومات الحساسة أو إساءة استخدامها. وقد أكدت OpenAI أن البيانات تبقى محمية وفق بروتوكولات التشفير العالية، وأنها لا تُستخدم لتدريب النماذج العامة دون إذن صريح من المستخدمين، في محاولة لطمأنة المؤسسات بشأن سرّية معلوماتها.
ويرى خبراء التقنية أن هذه الميزة الجديدة تمهّد لولادة جيل جديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التفاعلي في بيئة الأعمال، حيث يمكن للتطبيق الواحد أن يقوم مقام منصات متعددة، من تحليل البيانات إلى إعداد التقارير واتخاذ القرار. ويذهب البعض إلى اعتبار هذه الخطوة بداية لمرحلة «المنصة الواحدة لكل شيء»، حيث يندمج الذكاء الاصطناعي في كل مفصل من مفاصل الإدارة الحديثة.
بهذا التطور، يُثبت ChatGPT مرة أخرى أنه ليس مجرد تطبيق للمحادثة، بل مشروع متكامل يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة، ويحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة مساعدة إلى شريك استراتيجي في صناعة القرار، في زمن تتسارع فيه التحولات التقنية وتزداد فيه قيمة المعلومة الدقيقة كعنصر حاسم في نجاح المؤسسات.











