
في 9 ديسمبر 2024، استقبلت نواكشوط الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في زيارة رسمية لحضور مؤتمر قاري حول التعليم والشباب. ورغم أن الزيارة حملت في ظاهرها طابعًا تنمويًا وتعليميًا، إلا أن توقيتها وسياقها السياسي أثارا تساؤلات عديدة. بدا واضحًا أن الجزائر تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي ومحاولة استقطاب موريتانيا إلى تحالفها الجديد مع تونس وليبيا، في إطار مساعيها المستمرة لعزل المغرب مغاربيًا.
الجزائر، التي لطالما دعمت جبهة البوليساريو سياسياً ومالياً، تعتبر أن نزاع الصحراء المغربية ورقة استراتيجية لإضعاف المغرب وإعاقة نفوذه الإقليمي. تحركاتها الأخيرة تعكس محاولات حثيثة لإعادة ترتيب التحالفات في المنطقة، وهو ما برز في زياراتها المكثفة لدول الجوار، بما فيها موريتانيا، التي تلعب دورًا حساسًا في التوازن الإقليمي.
بعد أيام قليلة من زيارة تبون إلى نواكشوط، حط الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الرحال في الرباط في زيارة وُصفت بـ”الخاصة”، لكنها تحمل في طياتها أبعادًا دبلوماسية لا تخطئها العين. التوقيت الدقيق لهذه الزيارة، بعد أسبوع فقط من زيارة تبون، جاء بمثابة رسالة واضحة عن قوة العلاقات المغربية-الموريتانية، ورغبة الرباط في الحفاظ على نواكشوط كشريك استراتيجي محايد.
تسعى المغرب، من جانبها، إلى تعزيز علاقاتها مع موريتانيا لمواجهة التحركات الجزائرية الهادفة لعزلها مغاربيًا. الرباط تُبرز نفسها كشريك اقتصادي وتنموي موثوق، في محاولة لتقوية موقعها في المنطقة. ومع ذلك، تحرص موريتانيا على التزام الحياد بين الجارين المتنازعين، وهو موقف يجعلها في موقع استثنائي يؤهلها للعب دور الوسيط.
في ظل التوتر المتصاعد بين المغرب والجزائر، تبرز موريتانيا كطرف وحيد يتمتع بعلاقات متوازنة مع الجميع ، مما يمكنها من أن تكون الخيار الأنسب للعب دور الوساطة بين الطرفين خصوصا وأن اللقاء بين رئيس الجزائر تبون وولد الغزواني وجلالة الملك محمد السادس ورئيس موريتانيا تما في ظرف أقرب من العشرة ايام فقط . رغم أن أطرافا أخرى عزت الزيارة للوضع الصحي لزوجة الرئيس الموريتاني السيدة مريم بنت الداه اللتي أجرت عملية جراحية بمستشفى محمد الخامس العسكري بالرباط كللت بالنجاح..
لكن تحقيق هذا يتطلب دبلوماسية حذرة وقدرة على التوازن في ظل الضغوط المتزايدة من كلا الطرفين.
المشهد الحالي يكشف عن تنافس دبلوماسي محموم بين الرباط والجزائر لكسب دعم نواكشوط أو على الأقل للحفاظ على حيادها. وبينما تسعى الجزائر لتعزيز دعمها للبوليساريو وخلق جبهة إقليمية ضد المغرب، تعمل الرباط على تحصين علاقاتها مع موريتانيا عبر مشاريع تنموية ومبادرات تعكس التزامها بالشراكة.
يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح موريتانيا في استغلال موقعها الاستراتيجي وعلاقاتها المتوازنة للعب دور الوسيط بين الجارين؟ إذا تمكنت من تحقيق هذا الهدف، فستعزز مكانتها كقوة إقليمية محورية، وتسهم في تحقيق تهدئة مغاربية تفتح أفقًا جديدًا للتعاون.