
أحدثت مؤسسة جيه بي مورغان المصرفية العالمية ضجة كبيرة في أسواق المال بعد أن توقّع محللوها أن يبلغ سعر أونصة الذهب نحو 8 آلاف دولار بحلول عام 2028، في حال استمر المسار الحالي للتوترات الجيوسياسية وضعف الثقة في النظام المالي الدولي. هذا التقدير غير المسبوق يُعدّ من أكثر التوقعات جرأة في تاريخ البنوك الاستثمارية الكبرى، ويعكس قناعة بأن العالم يتجه نحو “عصر الذهب الجديد”.
خلال العقدين الأخيرين، عرف المعدن الأصفر رحلة صعود لافتة. ففي مطلع الألفية الجديدة، كان سعر الأونصة لا يتجاوز 270 دولاراً، ثم بدأ بالارتفاع التدريجي مع أزمات النفط والركود العالمي، ليكسر حاجز الألف دولار عام 2008 أثناء الأزمة المالية العالمية. ومع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين وتوسع برامج التحفيز النقدي، بلغ الذهب ذروته التاريخية الأولى عام 2011 عند نحو 1920 دولاراً للأونصة. ثم تراجع تدريجياً ليستقرّ في نطاق ما بين 1200 و1400 دولار لسنوات، قبل أن يعاود الصعود القوي خلال جائحة كورونا حين تجاوز 2000 دولار للمرة الأولى في التاريخ الحديث.
أما في السنوات الأخيرة، فقد شهد السوق تذبذباً حول مستوى 2300 إلى 2500 دولار، مدعوماً بموجات التضخم العالمية وضعف الدولار، قبل أن تتسارع التوقعات ببلوغه مستويات غير مسبوقة في ظل الاضطرابات الاقتصادية، وتزايد لجوء البنوك المركزية إلى تخزين المعدن الأصفر كبديل آمن عن العملات الصعبة.
وبحسب تقرير “جيه بي مورغان”، فإن موجة الارتفاع المقبلة ستكون مدفوعة بثلاثة عوامل رئيسية:
أولاً، تراكم احتياطات الذهب لدى البنوك المركزية بوتيرة هي الأعلى منذ أربعة عقود، خصوصاً في الصين وروسيا ودول الخليج.
ثانياً، التحوّل العالمي عن الدولار في جزء من المعاملات التجارية الدولية، ما يدفع المستثمرين إلى تنويع أصولهم بسبائك الذهب.
وثالثاً، تزايد الطلب الاستثماري عبر صناديق الذهب المتداولة (ETFs) التي تشهد تدفقات قياسية كلما تصاعدت المخاطر الجيوسياسية.
ورغم هذه النظرة المتفائلة، يشير التقرير إلى أن الارتفاع الحاد ليس مضموناً بالكامل، إذ قد تتراجع الأسعار مؤقتاً في حال تشديد السياسات النقدية الأمريكية أو استعادة الدولار قوته. ومع ذلك، يؤكد محللو البنك أن “الذهب لم يعد مجرد ملاذٍ آمن في الأزمات، بل أصبح مكوّناً استراتيجياً في النظام المالي الجديد الذي يتشكّل ببطء خارج الهيمنة الغربية التقليدية”.
ويرى خبراء الأسواق أن تجاوز الذهب لحاجز 8 آلاف دولار سيكون حدثاً تاريخياً يعيد تشكيل خريطة الاستثمار العالمي، وربما يفتح الباب أمام عملة مادية أكثر استقراراً في عالم تغمره العملات الرقمية والديون المتراكمة. لكن حتى ذلك الحين، يبقى المعدن النفيس هو المرآة الأكثر صدقاً لاضطراب الاقتصاد العالمي، والملاذ الذي لا يصدأ مهما تغيّرت الأزمنة.











