وطنية

حين تُستهدف مؤسسات الدولة… من يخدم المعارضين بالخارج؟

أحدث الأخبار
مؤشرات الأسواق العالمية

في خضم التفاعل اليومي على مواقع التواصل الاجتماعي، يلحظ المتابعون حجم التصعيد الخطابي الذي بدأ يتخذ طابعًا ممنهجًا من قبل عدد من المعارضين المغاربة المقيمين في الخارج، والذين حولوا صفحاتهم إلى منابر لشن هجمات مركزة على رموز الدولة، وعلى رأسها المؤسسات الأمنية والاستخباراتية، ممثلة في شخصيات وازنة كعبد اللطيف الحموشي وياسين المنصوري. هذه الهجمات لا تبدو عفوية، ولا تعبيرًا بريئًا عن الرأي، بل هي جزء من سردية تستهدف تقويض الثقة في البنى الصلبة التي تشكل عماد استقرار الدولة المغربية.

لا يمكن لدولة في حجم المغرب، وبتعقيداته الجغرافية والديموغرافية والأمنية، أن تسير دون أجهزتها السيادية. فهذه المؤسسات، الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، تُعد خط الدفاع الأول عن السيادة، وهي التي مكنت المغرب من تفادي الفوضى التي عصفت بدول مجاورة، بل وجعلته حليفًا موثوقًا به في محاربة الإرهاب والهجرة السرية من قبل قوى عالمية كأمريكا وفرنسا وإسبانيا. إن إضعاف هذه المؤسسات معنويًا أو تشويهها إعلاميًا، هو مقدمة لهدم الدولة من الداخل.

لكن من الموضوعية أيضًا أن نُقرّ بأن كل مؤسسة، مهما بلغت من القوة والانضباط، لا تخلو من الأخطاء. فالأجهزة تُسيّر من طرف بشر، وليسوا آلهة، والخطأ وارد كما في أي نظام بشري. غير أن الفارق الجوهري في الحالة المغربية هو الجرأة على التصحيح. إذ نلاحظ في السنوات الأخيرة تفاعلًا سريعًا من طرف الأمن الوطني والدرك والنيابة العامة وغيرها مع قضايا يثيرها المواطنون على منصات التواصل، ويُقابل هذا التفاعل ببلاغات رسمية واضحة، وتوضيحات شفافة، شبيهة بما نراه في أعرق الديمقراطيات الغربية. وهذا السلوك المؤسسي الحديث لا يُناسب الرواية السوداوية التي يروجها المعارضون بالخارج، لذلك يُغفلونه عمدًا.

اللافت في الأمر أن المعارضين لا يكتفون باستهداف الأمن فحسب، بل صارت المعلومات التي يتداولونها تغطي قطاعات شتى: القضاء، التعليم، الصحة، الدرك، الأمن، الداخلية… وهذا التنوع المريب يُرجح بقوة وجود شبكة منظمة تقف وراءهم، تعمل على تغذية المحتوى المسموم بمعلومات تبدو أحيانًا دقيقة، هدفها الأساسي هو تدمير صورة الدولة ومؤسساتها أمام الشعب، وبث الشك في كل ما هو رسمي ووطني.

وحين تتكرر الإشارات إلى وثائق قضائية، وأحكام، وتقارير داخلية، وتسريبات من قطاعات متباعدة، يصير من السذاجة تصديق أن هؤلاء الأفراد يحصلون على كل ذلك بمعزل عن دعم أو تنسيق داخلي. ما نراه اليوم هو عملية حرب ناعمة تُشن ضد المغرب، لا عبر الحدود، بل من خلال شبكات معلوماتية وإعلامية تدّعي المعارضة، لكنها في جوهرها تمارس دورًا تدميريًا قد لا يدرك البعض عواقبه الكاملة.

إن التشكيك في الأجهزة السيادية لا يخدم أي مشروع وطني، بل يفتح الباب أمام قوى الطمع والاختراق الخارجي، ويمهد الطريق لحالة فراغ أمني ومؤسساتي ستكون نتيجته الوحيدة هي الفوضى. ومن يروج لخطاب إسقاط الأجهزة بدعوى الإصلاح، يتجاهل عن عمد أن لا إصلاح يُبنى على ركام المؤسسات، ولا تغيير يمكن أن يتحقق بمنطق “الهدم الشامل”.

يبقى على المواطن المغربي، داخل الوطن وخارجه، أن يفهم أبعاد هذه الحملة، وأن يميز بين النقد والإسقاط، وبين الحرص على الإصلاح والتواطؤ مع التخريب. فالوطن ليس شعارًا يُرفع عند الحاجة، بل التزام دائم بالدفاع عن استقراره، وصون هيبة مؤسساته، والوعي بأن ضعف الدولة لا يخدم إلا أعداءها، سواء أعلنوا خصومتهم من خارج الحدود، أو دسّوا سمّهم عبر قنوات “المعارضة”.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا