
في لحظة من لحظات الحماس والحلم، انطلق شاب بكل ما يملك من طموح ليبني مشروعًا مشتركًا مع خاله الثري المقيم في دولة خليجية. كان يرى في هذا التعاون بابًا نحو مستقبل مشرق، وبذل لأجله وقته، وجهده، وماله، وحتى استقرار بيته. خاله، الذي لطالما اعتبره سندًا، سلّمه شقتين ليحوّلهما إلى كافيه ومطعم، فغاص الشاب في تفاصيل المشروع بكل قلبه. رسم ملامح النجاح، تخيّل الزبائن، روائح الطعام، والموسيقى الهادئة في الخلفية. كان يؤمن أن التعب سيؤتي ثماره.
لكن ما لم يكن في الحسبان، أن تُغدر الأحلام من أقرب الناس. اكتشف فجأة أن المشروع، بعد كل ما قدّمه، سيُسلم إلى خالٍ آخر — ليس هو. كانت صدمة قاسية، ضاعت معها الجهود، وتهاوت أركان الثقة. لم تتوقف الخسائر عند حدود العمل، بل انسحبت إلى حياته الشخصية؛ تفككت علاقته بزوجته، وانتهت بالطلاق، وتبدّد صوته في حياة ابنته الوحيدة، لتصبح المسافة بينه وبينها أعمق من كل الكلمات.
في قلب هذا الركام، قد يبدو الأمل بعيدًا، لكن الحكاية لم تنتهِ. الألم يمكن أن يكون بداية وعي جديد، والخذلان أحيانًا يكون دافعًا للنهوض بشكل أقوى. ما مرّ به هذا الشاب ليس نهاية الطريق، بل هو مفترق، يُختبر فيه الصدق مع الذات، والإرادة للاستمرار رغم كل شيء. نعم، قد كره خاله، ومن الطبيعي أن يشعر بالغضب، لكنه إن ظل أسير تلك الكراهية، فلن يبرح مكانه. الحل ليس في النسيان، بل في البناء من جديد، بأرضية من الدروس التي تعلّمها.
الحياة تُعطي من يصرّ، لا من يستسلم. ولعل أعظم انتقام من الخذلان، أن ينجح الشاب ذات يوم، من دون دعم أحد، ليقف شامخًا أمام خاله وأمام نفسه، ويقول: “لم أكن بحاجة لأحد… فقط لنفسي التي لم تخذلني.”