سياسة

خطاب العرش 2025: رؤية ملكية لمغرب الإنصاف والنهوض المتوازن

أحدث الأخبار
مؤشرات الأسواق العالمية

جاء خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، محمّلاً برسائل سياسية واقتصادية واجتماعية دقيقة، في سياق وطني وإقليمي يتطلب وضوحاً في الرؤية وحكمة في التوجيه. لقد بدا الخطاب كأنه محصلةُ توازنٍ بين تثبيت منجزات المغرب الصاعد، والدعوة إلى تصحيح اختلالات مغرب غير العادل مجاليًا واجتماعيًا. فقد حرص الملك، في مستهل كلمته، على التأكيد مجددًا على رمزية البيعة الوطنية، لا باعتبارها طقسًا بروتوكوليًا، بل كرباط وجداني وتجديدي للمسؤولية والولاء المتبادل بين العرش والشعب.

انطلق الخطاب من استعراض دقيق للمنجزات الاقتصادية، التي اعتبرها الملك ثمرةً لرؤية بعيدة المدى واختيارات تنموية صائبة، قادت إلى ترسيخ الاستقرار السياسي والمؤسساتي، وتعزيز موقع المغرب في مصاف الدول الصاعدة. فقد سجل الخطاب باعتزاز مضاعفة الصادرات الصناعية منذ 2014، وتحول قطاعات السيارات والطيران والطاقات المتجددة والصناعات الغذائية والسياحة إلى رافعات اقتصادية كبرى. وبرز التأكيد على أن المغرب اليوم صار مرتبطًا اقتصاديًا بثلاثة مليارات مستهلك عبر العالم، مما يعكس عمق اندماجه في الاقتصاد العالمي بفضل اتفاقيات التبادل الحر والبنيات التحتية الحديثة.

غير أن لُب الخطاب لم يكن اقتصاديًا فحسب، بل حمل في طياته رسالة حاسمة: لا جدوى من أي نهضة تنموية إذا لم يشعر المواطن بثمارها في معيشه اليومي. وقد عبّر الملك عن هذا الموقف بصراحة حين قال إنه لن يكون راضيًا مهما بلغ مستوى التنمية إذا لم تُترجم إلى تحسين ملموس لظروف عيش المواطنين، في جميع الجهات ومن مختلف الفئات. في هذا السياق، دعا إلى تجاوز المقاربات التقليدية في معالجة الفوارق، واقترح التحول نحو تنمية مجالية مندمجة، تُعزز الجهوية، وتُثمن الخصوصيات المحلية، وتقوم على تكامل المشاريع وتأثيرها المباشر. وهكذا، تتبدى فلسفة العدالة المجالية كركن أساسي في التوجه الملكي الجديد، الداعي إلى إنهاء ما سمّاه “مغرب السرعتين”.

ولم يغفل الخطاب التذكير بالتحولات السكانية والاجتماعية التي كشفها الإحصاء العام لسنة 2024، حيث أشار إلى تراجع كبير في الفقر متعدد الأبعاد، وبلوغ المغرب عتبة الدول ذات التنمية البشرية العالية. غير أن الملك حذر من مغبة الوقوع في الرضا الكاذب، مبرزًا استمرار وجود مناطق تعاني التهميش، وخاصة في العالم القروي، ما يستدعي نقلة حقيقية في السياسات العمومية.

وفي محطة ذات أهمية استراتيجية، جاء التوجيه الملكي بضرورة تحيين وتأطير المنظومة القانونية للانتخابات التشريعية لسنة 2026، قبل نهاية السنة الجارية. هذا التوجيه يكشف عن إرادة ملكية لضمان سيرورة ديمقراطية منتظمة، وتهيئة الظروف السياسية الملائمة، في وقت تتهيأ فيه البلاد لمرحلة مفصلية من استثمار النموذج التنموي الجديد.

الشق الإقليمي من الخطاب حمل عبارات واضحة تعكس الموقف الثابت للمغرب تجاه العلاقات مع الجزائر. فقد جدّد جلالة الملك اليد الممدودة نحو الشعب الجزائري الشقيق، مؤكدًا الإيمان الراسخ بوحدة المصير وضرورة الحوار الصريح والمسؤول. كما أعاد التأكيد على تمسك المغرب بالاتحاد المغاربي، وإيمانه بدوره الحيوي، شريطة تجاوزه للعقبات السياسية المزمنة. وعلى صعيد النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، عبر الملك عن اعتزازه بتزايد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، مخصّصًا الشكر للمملكة المتحدة والبرتغال، ومجددًا التأكيد على سعي المغرب لحل توافقي يحفظ ماء وجه الجميع.

ويختم الملك خطابه كما بدأه، بترسيخ قيم الوفاء، من خلال تحية خاصة لمختلف مكونات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، واستحضار الأرواح الطاهرة للملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، في إشارة رمزية إلى استمرارية المشروع الوطني الذي يُصاغ في توازن دائم بين الوفاء للماضي والطموح للمستقبل.

هكذا يتبدى خطاب العرش لسنة 2025 ليس مجرد خطاب مناسبات، بل وثيقة سياسية استراتيجية ترسم بوضوح معالم مغرب يريد أن يكون قويًا اقتصاديًا، عادلاً اجتماعيًا، منفتحًا إقليميًا، ومستقرًا ديمقراطيًا.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا